الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بتصورٍ عام فإن نظام المحاكم التجارية سيُسهم بشكلٍ فعّال بتطور القضاء التجاري بالمملكة، ونقله لمستوى مختلف عما هو عليه الآن، فما يكابده القضاء التجاري من ارتفاع مضطردًا لعدد القضايا؛ يُقابله وجود عدد من الإشكاليات على مستوى البيئة الإدارية بالمحاكم، مما يحول دون امتلاك القدرة على مواجهة هذا القدر من التدفق للأقضية بشكلٍ ناجع، وما هذه الأزمة التي نمر بها -كورونا- إلا مؤشر عمّا سيكون عليه الوضع لاحقًا؛ ولكن نظام المحاكم التجارية الجديد وضع أطر نظامية، وأسس مختلفة تمامًا عن السابق، سيكون معها بمقدور المحاكم التجارية أن تؤدي دورها بشكلٍ أكثر سرعة، وتحديدًا للأعمال التجارية التي من أهم ركائزها: السرعة.
وحتى لا نسهب بالحديث عن النظام، والذي قد أفرد له عدة مقالات للتحدث عما يميّزه، ولماذا هو مهم جدًا، وكيف يُساهم بتحقيق رؤية المملكة 2030، ولكن هذا لاحقًا بحول الله، سأتحدث اليوم بما أراه من أهم ما جاء به النظام؛ ألا وهي أوامر الأداء. ما هي أوامر الأداء؟، وكيف سُتسهم بنجاح العمل القضائي في المحاكم التجارية؟
بدايةً أوامر الأداء هي استثناء من القواعد العامة على رفع الدعاوى، فيحق للدائن التقدم إلى المحكمة بطلب إصدار أمر بأداء دين، وهذا تعريفه المقتضب الذي ورد بمستهل المادة السابعة والستين من النظام، وحتى نسهل على غير المتخصص، بأن نقارب بما يقابل ذلك في الأوساط التجارية وفي العرف التجاري، فنستطيع أن نقول أن مطابقة الرصيد، والمخالصة النهائية هي أقرب ما قد يستخدم حاليًا لإصدار أومر الأداء، ولكن بشروط، فقد وضع النظام شروطًا للدين المقدم بشأنه طلب إصدار أمر الأداء؛ حتى يُقبل الطلب ابتداءً، وتلك الشروط هي: أن يكون الحق ثابتًا بالكتابة، وحال الأداء، وأن يكون معين المقدار إذا كان نقدًا، أو منقولًا معينًا بنوعه ومقداره، أو معينًا بذاته تعيينًا نافيًا للجهالة.
فإن تحققت تلك الشروط بالدين، أصبح من الجائز للدائن -المدعي- التقدم للمحكمة بطلب إصدار أمر أداء؛ شريطة أن يسبق ذلك إشعار كتابي للمدين بطلب الوفاء قبل خمسة أيام على الأقل من تقدمه للمحكمة بطلب الأمر بالأداء، وعلى أن يتضمن الإشعار الكتابي التاريخ المزمع التقدم به للمحكمة، ويجب أن يثبت تبلغ المدين بالإشعار بطبيعة الحال.
بعد هذا الاستعراض المختصر، الذي أرجو أنه كان إيجازًا غير مخل بالمفهوم، ننتقل إلى كيف سُتسهم أوامر الأداء بنجاح العمل القضائي في المحاكم التجارية، والرفع من وتيرة سرعة الإنجاز. بنظرةٍ أولى سنعلم أن عددًا لا بأس به من الدعاوى التي تُقام لدى المحاكم التجارية؛ البيّنة فيها والتي تعضدها هي عبارة عن مستند مطابقة رصيد، أو مخالصة ختامية لحسابٍ تجاري ما، وتنطبق عليها في الغالب الشروط الواردة بالمادة آنفة الذكر من نظام المحكمة التجارية.
وكانت المحاكم التجارية تحدد لها مواعيد جلسات، وتأخذ وقتها من الدراسة والبحث، حتى إصدار الحكم، والنظر في الاعتراض المُقدم بشأنه … إلخ. ولكن حين يصبح النظام نافذًا؛ لم يُعد ذلك لزامًا؛ بل أصبح يمكن للدائن -المدعي- كما أسلفت بالتقدم بالطلب للمحكمة، وعلى الدائرة أن تصدر أمرًا محددًا خلال عشرة أيام من تاريخ قيّد الطلب، يوضح بشكلٍ جازم الحق الواجب أداؤه من نقودٍ أو منقولٍ. وهذا ليس حكمًا قضائيًا بل أمر قضائي، يجوز الاعتراض عليه بشكلٍ مؤكد، وفقما جاء بالمادة الحادية والسبعين، ولكن ما أقصده أن أثره مختلف، بل حتى شكله مختلف عن الحكم القضائي، وقد تفصّل اللائحة التنفيذية ذلك حين صدورها قريبًا بإذن الله.
فهذه المسألة أثرها كبير جدًا على العملية القضائية؛ فهي ستُخفف من تدفق الأقضية للدوائر القضائية، وعلى أقل تقدير سيُتاح عدد لا بأس به من الجلسات بجدول الجلسات اليومي للدوائر، لأن أوامر الأداء لا تنعقد لها جلسات بالأصل، وهذا سيحقق أحد أهم أهداف رؤية المملكة 2030، وكذلك وزارة العدل، وهي سرعة القضاء التجاري بالبت والفصل فيما ينظره من دعاوى وطلبات، تحقيقًا لمبدأ السرعة التي تمتاز به الحياة التجارية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال