الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
وجود مؤشرات عقارية سليمة في السوق العقاري تساهم في القضاء على حالة الضبابية وعدم الاستقرار وانتشار الإشاعات في السوق. حالياً لا يوجد في السوق العقاري السعودي مؤشر عقاري رسمي معتمد يستطيع كشف اتّجاهات الأسعار. لذلك أغلب ما يقال من توقعات وتحليلات عن توجه السوق غير دقيقة ولا يعتد بها لأنها مبنية على أساس غير سليم. بل بالعكس وجود هذا النوع من المؤشرات بشكلها الحالي تساهم في التشويش على المتابع في السوق العقاري.
سوف نستعرض معكم في هذا المقال الطريقة الخاطئة في احتساب المؤشر الحالي ونوضح فيه مصدر التشويش. أيضا سوف نستعرض المشكلة الأخطر والأهم وهي أن المؤشرات الحالية تتجاهل الخصائص “الفريدة ” Heterogeneity والمعقّدة للأصل العقاري. وأخيرا نستعرض الطرق الحديثة المطورة لاحتساب المؤشر العقاري.
فالسوق العقاري السعودي سوق ضخم ومهم للمشتري والبائع وصناع القرار والبنوك والمؤسسات المالية والمحللين والمقيميين العقاريين وغيرهم. حيث وصلت القيمة السوقية للأصول العقارية السعودية في عام 2018 حسب التصريحات الرسمية إلى 2 تريليون ريال سعودي وهي قريبة من القيمة السوقية لسوق الأسهم في نفس الفترة. وعلى مستوى العالم، نصف ثروات الأمم موجودة في الأسواق والأصول العقارية. فعدم وجود مؤشر عقاري سليم ودقيق يقيس حركة الأسعار في السوق عقاري مشكلة خطيرة.
فمثلاً من المشاكل التي تواجه المتعاملين في سوق العقاري أن المشتري والبائع لن يكون لديه رؤية واضحة يستطيع أن يبني عليها قرار الشراء والبيع والمقارنة بين العروض الموجودة. ففي ظل هذه الأجواء تزيد الفجوة بين سعر الطلب وسعر العرض فتقل التداولات في السوق العقاري وتزيد مشكلة عدم تماثل المعلومات Asymmetric Information. فالمشتري والبائع هنا سوف يطلبون أسعار بعيدة عن الأسعار الحقيقية للعقار لتعوضهم عن مشكلة عدم تماثل المعلومات.
أيضا صانع القرار كا وزارة الإسكان مثلا سوف تواجه صعوبة في المحافظة على استقرار الأسعار والموازنة بين قوى الطلب والعرض أثناء تنفيذ سياساتها الإسكانية في معالجة أزمة السكن. أيضا بدون مؤشر عقاري سليم سوف تكون التكاليف التمويلية على القروض العقارية مرتفعة لأن العقار مقيم بقيمة مبنية على مؤشر عقاري غير سليم من خلال التقييم العقاري التقليدي، فالنتيجة قد يتحمل عميل البنك هذه الأعباء لسنوات طويلة.
هل “مؤشرات المتوسطات العقارية” الموجودة في منصة المؤشرات العقارية التي أطلقتها هيئة العقار بشكل تجريبي حديثا وأيضا المؤشرات التي تنشرها وزارة العدل اجتهادا تشوش على المتداولين في السوق العقاري؟ نعم، هذه المؤشرات تعطي قراءة غير دقيقة عن توجهات الأسعار في السوق العقاري بل بالعكس وجود هذا النوع من المؤشرات بشكلها الحالي تساهم في التشويش على المتابعين في السوق العقاري.
والسبب أن مؤشرات المتوسطات العقارية الحالية تستخدم طريقة المتوسط Average وفيها يتم حساب الفرق بين متوسط “جميع ” الأسعار في بداية الفترة ونهاية الفترة. المفترض هنا أن تدخل فقط الصفقات التي تمت في ظروف طبيعية ولكن أحيانا قد يكون هناك بعض الصفقات التي تتم في ظروف غير طبيعية من خلال محاكم التنفيذ والمزادات أو حتى الصفقات التي تتم بين الأقارب، لذلك سعر التنفيذ Transaction price قد يكون بعيد عن القيمة السوقية Market value فبالتالي تنشاء قيم متطرفة تؤثر بشكل كبير على المتوسط. وحتى تتضح الفكرة للقارئ في هذا المثال المبسط سوف نرى أثر هذه القيم المتطرفة على المؤشر العقاري.
نلاحظ هنا أن الزيادة الحقيقية في مدينة (أ) هي 10% بناء على غالبية أسعار العقارات الموجودة في المدينة (الثلاث عقارات الأولى) ولكن الزيادة الكبيرة في قيمة العقار الرابع رفعت المؤشر إلى 25% ,فهذه الزيادة الغير مبررة في العقار الرابع أحدثت تشويش على قيمة المؤشر الحقيقية وأعطت صورة مضللة عن الحركة العقارية في مدينة (أ).
المشكلة الأكبر والأهم أن طريقة المتوسطات للمؤشرات العقارية تتجاهل “الخصائص المعقدة التي تتميز بها الأصول العقارية”. بحيث أنها لا تفرق بين الأصل العقاري وبين باقي الأصول الأخرى كالذهب مثلاً. فالذهب كأصل يحمل نفس الخصائص سواء كان في الصين أو في أمريكا، بينما الأصل العقاري يتميز بالتفرد Heterogeneity بحيث أن كل عقار بصمة عقارية مميزة يصعب معها وجود عقار مماثل وحتى وإن كانت المقارنة بين شقتين في نفس العمارة السكنية، فسوف يكون هناك اختلاف في المساحة أو الدور أو الواجهة أو التصميم.. الخ. العامل المهم الآخر هو تغير الجودة Quality Change فمثلا الذهب الآن هو بنفس جودة الذهب قبل سنة أو مئة سنة أو حتى ألف سنة، لذلك لا توجد علاقة بين تغير الجودة وسعر الذهب كأصل، بينما في الأصول العقارية فعامل تغير الجودة يلعب دور مهم في تأثير على سعر العقار كالاِستِهلاك وإعادة الترميم أو حتى إضافة غرفة جديدة كلها تغير من سعر العقار. الخلاصة أن المؤشر العقاري السليم يجب أن يبني حساباته فقط على “صافي التغير ” في السعر الناتج من التغير في قوى الطلب والعرض ويحيد تأثير تغير الجودة Quality Change وميزة التفرد Heterogeneity الموجودة في الأصول العقارية. لذلك لو أخبرتك بارتفاع الذهب ب 5% فأنت تعلم أن هذا هو تماما صافي التغير السعري فقط في سوق الذهب الناتج من توازن قوى الطلب والعرض في السوق ولا علاقة للتغير في الجودة او غيرها من العوامل الأخرى بالتغير في المؤشر. أما إذا كنا نتحدث عن مؤشر التغير في أسعار الأصول العقارية فيجب أن يقيس فقط صافي التغير السعري ويتجنب حساب العوامل الأخرى التي سبق وأن ذكرناها. من هنا يتضح أن بناء مؤشر في السوق العقاري عملية دقيقة وتحتاج إلى جهد أكبر.
هناك مؤشرات مطورة لاحتساب المؤشر العقاري تراعي طبيعة الأصول العقارية المعقدة. فمثلا في أمريكا وكندا يستخدم طريقة المبيعات المتكررة Repeated-sales methodفي مؤشر Case–Shiller index وفيها يتم احتساب التغير السعري لنفس العقار والذي تم بيعه أكثر من مره خلال فترة الدراسة. هذه الطريقة تعالج أهم الخصائص التي يتفرد بها الأصل العقاري وهي خاصية الموقع والتي تؤثر على سعر العقار بشكل كبير. ولكن يعيبها أنها ليست عملية في السوق السعودي في الفترة الحالية لأنه مثلاً في مدينة الرياض لا يوجد مفهوم واضح لمركز المدينة City center أو Central business district والذي تجتمع فيه مراكز الأعمال وتزداد فيه الكثافة السكانية وتزداد أسعار العقارات لقربها من المركز فتكون هناك علاقة قوية بين الموقع والسعر تستوجب استخدام هذا النوع من المؤشرات للتحييد أثر الموقع على التغير في أسعار الأصول العقارية.
أيضا من الطرق المطورة المناسبة والتي ينصح باستخدامها لحساب المؤشرات العقارية طريقة التسعير الضمني Hedonic method وفيها يتم تطبيق تحليل إحصائي على بيانات عقارية تفصيلية ضخمة لمعرفة السعر الذي سوف يدفعه المشتري لغرفة إضافية أو دورة مياه أو حتى سنة من عمر العقار فيحسب التغير في هذه القيم خلال فترة معينة ويتم اعتمادها كمؤشر للتغير في أسعار الأصول العقارية.
حتى نرى الفرق في النتائج بين الطريقتين تم عمل هذا التحليل على بيانات عقارية في القطاع السكني تشمل الفلل والشقق والأراضي في منطقة الرياض بنهاية الربع الأول لعام 2020.
ونلاحظ انه بنفس البيانات تم استخدام طريقتين مختلفة لاحتساب المؤشر. الأولى طريقة مؤشر المتوسطات العقارية ونجد فيها اختلاف كبير في قراءة السوق حيث قرأت أن الارتفاع في الفلل أكبر منه في الارتفاع الموجود في الأراضي، بينما في الطريقة التسعير الضمني Hedonic index أعطت قراءة معاكسة لقراءة مؤشر المتوسطات العقارية. أيضا نلاحظ أن طريقة مؤشر المتوسطات العقارية تعطي أرقام مضخمة بعكس الأرقام الموجودة في الطريقة التحليل الإحصائي حيث تمثل الضعف إلى خمسة أضعاف الفرق، لأن نتائج مؤشرات المتوسطات العقارية تعاني من تأثيرات القيم المتطرفة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال