الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أحداث كبيرة وتاريخية نعيشها في عام 2020 يصارع فيها الانسان لينتصر أمام عدو مجهول وتجاهد فيها الأمم لاثبات قوتها والمحافظة على مكانتها. وأصبح الصراع بين الدول صراع كمامات وأجهزة تنفس صناعي لانقاذ ما يمكن انقاذه قبل فوات الأوان. ولم يسلم سوق النفط من هذه الأزمة فوصل إلى مرحلة حرجة وأُدخل هو كذلك إلى غرفة العناية المركزة واستعان بأجهزة التنفس الصناعي إلى وقت قريب إلى أن تم إنعاشه نهاية الأسبوع الماضي بالاتفاقيات التاريخية لكبار المنتجين في العالم عبر اجتماعات ماراثونية افتراضية بقيادة الرياض.
فعندما بدأت أزمة كورونا، نشأت معها صدمة الطلب على النفط وبدأت المؤسسات بمراجعة مقدار ذلك عالميا وخصوصا مع انخفاض الطلب على الوقود والذي قُدر بنحو 10- 35% تراجع في الطلب مع الاغلاق ومع انحسار استخدام وسائل النقل ومنع معظم الدول للسفر ومع الأُخذ في الاعتبار أن 60% من الطلب العالمي على النفط يذهب لأنظمة النقل. أصبح العالم لا يعرف كم وإلى متى هذا الانخفاض على الطلب وخصوصاً أن لدينا أزمة اقتصادية عالمية وعندما يتباطأ الاقتصاد فهذا يؤدي إلى تباطأ الطلب على الطاقة.
هذا ما جعل روسيا تستوعب أنها أخطأت في التقدير لأنها لم تكن تعلم أن تداعيات هذه الجائحة سيكون لها هذا التأثير المدمر و إلا لما بدأت الحرب على الحصص السوقية من خلال اعلانها مبدأ “السوق الحر” من بداية أبريل وكل بلد ينتج كما يريد بدون أي تخفيضات. لذا اتخذت المملكة قرار بوضعهم امام الامر الواقع للسوق الحر الذي ينشدونه، حيث استخدمت اسلوب العلاج بالصدمة كما اسميتها من قبل، وهي سياسة حكيمة وذكية من المملكة من خلال زيادة الانتاج واعطاء تخفيضات لعملائها في آسيا وأوربا وأمريكا.
هذه السياسة لاتهدف الى تضخم السوق ولكن بهدف إدارته بطريقة غير مباشرة عندما لا يريد البعض الجلوس على الطاولة والاتفاق على واقعية السوق فإما إنقاذه وإلا سنغرق جميعا، فأصبحت الضربة ضربتين على الرأس وخصوصا لروسيا، فائض في الإنتاج وانخفاض على الطلب بفعل تداعيات جائحة كورونا مما لم تجعل للمنتجين أي خيار آخر إلا أن يجتمعوا على الطاولة والاتفاق لانقاذ أسعار النفط من الانهيار..
لا أتفق أبدا مع اطلاق مصطلح (حرب النفط) التي اعتمدها الاعلام لجذب الجمهور، فلا أحد يريد أو يتعمد الحرب وخصوصا اذا كان الموضوع متعلقاً بالاقتصاد. ممكن أن نعتبرها استراتيجية اعتمدتها روسيا ولكن كانت ردة فعلها عكسية عليهم فظهرت كمن أشعل النار واحترق بها وهذا بشهادة كبار المسؤولين في موسكو والآن ستبذل روسيا جهود كبيرة في محاولة لجذب عملاءها مرة أخرى بتوفير امدادت مخفضة بعد أن عرضت عليهم السعودية خصومات كبيرة في خلال الأسابيع الماضية.
من كان يصدق أن المملكة ستنجح في الاقناع بتخفيض ما يقارب 10 مليون برميل يومياً من أوبك وأوبك بلس بعد أن كانت تستجدي أكثر من مليون ونصف برميل فقط. وبعد أن كانت تستجدي منذ أعوام منتجين خارج أوبك بلس في أن يمارسوا شيئا من التخفيضات، أصبحت الآن التخفيضات طوعية.
هذه الكلمات هي ما افتخر بها وزير الطاقة سمو الأمير عبدالعزيز بن سلمان حفظه الله في أول تصريح له بعد اجتماع أوبك الاستثنائي التاريخي الذي نجح نجاحا عالميا وبدعم من الحكومة الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الامين حفظهما الله، حيث شاركا في المفاوضات ومنها الاتصال الثلاثي بين الملك سلمان والرئيس الامريكي والرئيس الروسي وهو الاتصال الذي كان وضع السوق النفطي محوره الرئيسي اضافة لإعلان وزير الطاقة وتأكيده ان الاتفاقيات تمت ايضا بدور لسمو ولي العهد الذي بذل جهد خلال الفترة الماضية في المفاوضات.
في كل مرة يثبت فيها سمو الأمير عبدالعزيز بأنه رجل الموقف وأنه (عراب الطاقة) الذي قاد المفاوضات بكل حكمة ودبلوماسية حيث دائما ما يؤكد في تصريحاته بأن كل الصدمات التي تحدث مع الدول المنتجة هي مجرد خلافات أخوية لا تؤثر على العلاقات المتينة بينها وبين المملكة والذي أثبت كذلك أن الوصول إلى الهدف في وقت الأزمات هو أن تحاول وتحاول وبعدة سيناريوهات وبجميع الأسلحة حتى تصل إلى النجاح.
وقد صرح وزير الطاقة امس أن التخفيضات قد تصل إلى 12.5 مليون برميل يومياً إذا اخذنا في الاعتبار منتجي أوبك وأوبك بلس وأن هذه التخفيضات قد تصل حتى 19.5 مليون برميل يومياً اذا اضفنا التخفيض الطوعي للمنتجين من خارج أوبك بلس وذلك يعتمد على الاعلان الذي سيتم يوم الأربعاء من منظمة الطاقة العالمية.
لم تتصرف المملكة من قبل من مبدأ التنافس مع الغير، ولم يكن من أهدافها إخراج أحد من السوق، ولم تفكر قط بمصالحها بغض النظر عن الآخرين بل كانت سياستها ومازالت الحفاظ على المصلحة العامة بنفس مستوى الخوف على مصلحتها وحفظ التوازن للسوق والاقتصاد العالمي من الانهيار فقد تحملت هي العبء الأكبر في تخفيض الانتاج لسنوات لأن طموحها أن لا يكون هناك فائز أو خاسر، بل أن يكون الجميع رابح وبدون خسائر. واخيرا، نؤكد ان سياسة الطاقة السعودية .. سياسة تُدرس للعالم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال