الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لا يختلف اثنان في أن الفسادَ مِعولُ هدمٍ للدول، بغيض، مُجرّم، مُحرّم، قال تعالى (ولا تبغِ الفساد في الأرض إن اللهَ لا يحبُّ المفسدين).
نتابع الأخبار المُتتالية لجهود الدولة أيدها الله في محاربة الفساد. وظاهرٌ أن الأمر يندرج ضمن استراتيجيّة حازمة سمتها استئصال الفساد من الأعلى إلى الأسفل، وتتابعنا الأخبار للتفعيل على أرض الواقع، فمن قرار سجن لقاضي أو رجل أمن برتبة عالية، أو إعفاء وزير، أو مصادرة أموال مصدرها الكسب غير المشروع مهما كانت لأمير أو غيره، ناهيك عن أحكام الإدانة لرشوة أو إساءة استعمال السلطة، وهكذا دواليك.
لقد جمعتْ سياسة الحكومة في محاربة الفساد الأركان مُكتملة، من القرار والتشريع، والعزيمة والقوة، وها هي تدنو من الموظف والمجتمع.
فالقرار تجلّى منذ إعلان سمو ولي العهد حفظه الله بأنه “لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد أياً من كان، لن ينجو سواء وزير أو أمير أو أياً كان، فأي أحد تتوفر عليه الأدلة الكافية سوف يُحاسب”، وتجلّى في دمج الأجهزة الرقابية في هيئة واحدة، حيث دمجت “هيئة الرقابة والتحقيق” و”المباحث الإدارية” إلى “الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد”، ومنحها السلطة، وتجلّى أن العهد سمته العزم والحزم.
وتوالت التشريعات ذات الشأن وتَكَحّلت بلائحتين بالأمس، الأولى لتنظيم تعارض المصالح في تطبيق نظام المنافسات والمشتريات الحكومية وباستقرائها نجد أن الغرض منها تحقيق نزاهة القطاع العام ومشروعاته، بمنع تأثير المصالح الشخصية للموظف وتعارض المصالح، بحيث لا يجوز لأيِّ موظف له علاقة مباشرة أو غير مباشرة في مشتريات الحكومة وعقودها أن يتعامل مع أي مناقصة أو مشتريات يكون أحد أقاربه – بالدم أو المصاهرة حتى الدرجة الرابعة – له علاقة فيها، وحددتْ اللائحة حالات تعارض المصالح، ومن ذلك تقديم الهدايا من مُتعامل مع الجهة الحكومية إلى الموظف أو عائلته، ومن ذلك تقديم الضيافة والترفيه، إلى آخر التفصيل في حالات تعارض المصالح، وأوجبت اللائحة على الموظف بالإفصاح للرئيس المُباشر عن أي تعارض مصالح، بما في ذلك وجوب إفصاح الموظف متى عَلِم أن أحداً من أفراد عائلته أو أقربائه له مصلحة في الأعمال أو العقود التي تُبرَم لحساب الجهة، وجاءتْ اللائحة مُفصّلة لتمنع تعارض المصالح وما يؤدي إليه من إهدار للمال العام والفساد والكسب غير المشروع.
واللائحة الثانية لتنظيم سلوكيات وأخلاقيات القائمين على تطبيق نظام المنافسات والمشتريات الحكومية، وتهدف إلى إرساء مبادئ الانضباط الوظيفي للموظف في التعامل والتصرف عند تطبيق النظام، وتحقيق الشفافية والنزاهة والموضوعية، وغرس مكارم الأخلاق والأمانة لدى الموظف والابتعاد عن مواطن الشبهات، وحظرتْ عليه أموراً عديدة منها استغلال الوظيفة أو إخفاء بعض المعلومات الخاصة بالمنافسات عن أي من المقاولين، وقبول الهدايا والإكراميات، والانتفاع، وإساءة استعمال السلطة الوظيفية، وتعطيل صرف مستخلصات المقاولين … إلخ، أما العقوبات فهي جزائيّة وتأديبيّة.
إنه باستقراء اللائحتين، أجدُ أنهما تؤكدان على النزاهة في أسمى صورها، بعيداً عن المجاملة والمحاباة وإن كانت لقريب أو صديق، وهي تتوجه لبناء ثقافة مُجتمعية راقية مُتضامنة خالية من الفساد.
يمرّ بنا في أرض الواقع العديد ممن يُحابي قريبه أو صديقه أو ابن قبيلته أو منطقته لأجل تكسبٍ خاص وإن كان بمخالفةٍ شرعية أو نظامية وعلى حساب المال العام أو على جودة تنفيذ المشروعات، وأن المصلحة الخاصة مُجازَة وإن على حساب الإضرار بالمجتمع، ويجب أن تنتهي هذه الثقافة.
ومرّ بي أن بعض المسؤولين في الدولة لا ترضى بقبول شكوى أو اتهام لأحد موظفي جهازه، فإن جاءه مُشتكي أو ناقل معلومة فساد عن موظف أو مشروع يتبع جهازه، فتجده يُدافع عن الجهاز بالكلية ويرفض أن يتهم أحد من منسوبيه بالفساد، على فساد من الرأي يأمره بالدفاع عن الجهاز وأنه مُنزّهٌ عن الفساد، ولا شكّ أن مثل هذا التستّر هو الفساد بعينه، وحان الوقت لاستئصاله فكراً وواقعاً، لكي تكتمل منظومة مكافحة الفساد من قرار أعلى السلطة إلى التشريع إلى مشاركة الجميع من موظف ومجتمع، ولعلّ بالمثال يتضح المقصود، فسجن قاضٍ على مفسدته الفردية لا تُسيئ لعدالة محاكمنا ولأصحاب الفضيلة، بل تزيدنا ثقةً بأن النظام فوق الجميع (وأيمُ الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقتْ لقطعت يدها).
إن محاربة الفساد تجعل من الجميع قوياً فخوراً ببلده وقيادته، فالمرء مفطورٌ على كرهه للفساد، وثمرة محاربته يجنيها الجميع، بما نعيشه من أمن وأن لا أحد فوق النظام.
إن الدولة سفينة للجميع، وها هنا اليوم نرفع شعار “كلنا مسؤول” طواعيةً في تطبيق جميع ما تتخذه الدولة من تدابير وقرارات، نستشعر جميعنا أنها لصالح الجميع، نحافظ على المال العام لكي نستفيد منه، وقد تجلى ذلك بمبادرات الدولة ومساعداتها ورعاياتها غير الخافية للداني والقاصي فيما نحن فيه من وباء.
ولنُعلنها للجميع أن “كلنا مسؤول” وأن “كلنا أمن” لوطن بلا فساد.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال