الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لماذا عند الحديث عن القوة القاهرة ينشأ القلق ويطول الجدل؟
الجواب: كما وصل إليه الدكتور محمد سعيد عبدالرحمن: في كتابه القيم القوة القاهرة: (أن سبب ذلك يعود إلى أن ركني صحة العقود هما (العدالة والاستقرار) استقرار المراكز القانونية وثباتها مهم, والعدالة التي تستلزم مراعاة الظروف وعدم تعرض أي من الطرفين للظلم أهم) وعليه فإن سبب الجدل هو أي الاعتبارين يجب تغليبه في هذه الأحوال “الإستقرار أم العدالة؟ حيث أن الاستقرار يعني عدم المساس بشروط العقد مهما كانت الظروف وهذا الأمر يجعله استقرار غير عادل. كما أن الإلتفات لكل من يقول أنه مسه الضُرّ من واقعة أو جائحة من شأنه أن يقوض الإستقرار في المجتمع, ولهذا فإن الصعوبة التي تواجه المتعاقدين والقضاء هي في القدرة على التوفيق بين هذين الإعتبارين المتعارضين “الاستقرار والعدالة”.
لقد لاحظنا عند الجوائح كيف يتم البحث بلا ملل في بنود الإعفاء من المسئولية بما فيها ما يتعلق بالقوة القاهرة والظروف الطارئة, وفي الحقيقة أنه مالم يعتمد المشرع القوة القاهرة بموجب مرسوم أو قانون فإنه لا يجوز التمسك بالقوة القاهرة أمام الغير، لأن ذلك سيتطلب تحقيقاً دقيقاً من محكمة الموضوع, حيث استقر الفقه القضائي أن تقرير (ما إذا كانت الواقعة المدعى بها تعتبر قوة قاهرة هو تقدير موضوعي تملكه محكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية) -محكمة النقض المصرية-.
وعليه فإن هذا يوضح أن الإفتاء القانوني بشأن واقعة بعينها ما إذا كانت قوة قاهرة أو غير قاهرة هو أمر صعب للغاية, مرده إلى القضاء وحده ولطالما خابت ظنون المختصين في التقدير, وللقضاء في هذا اجتهادات متعددة، من ذلك ماجاء في أحد الأحكام القضائية الصادرة من محكمة التمييز العراقية نقلها “صاحب كتاب الكوارث الطبيعية في القانون العراقي” قالت: (أنها لا تعد المحكمة الفيضان ظرفاً طارئاً إذا كان متوقعاً في كل سنة من مواسم معينة)، وفي اجتهاد آخر وقفت عليه صادر من محكمة إستئناف الإسكندرية (أن المحكمة تقضي بأن إصابة القطن بدودة اللوز أمر متوقع وبالتالي لا تعده ظرفاً طارئاً ولو كان استثنائياً أو شاذاً).
في حين أن المحكمة العليا الجزائرية سبق أن قضت بأن (مرض الحمى الذي أصاب المواشي يعد ظرفاً طارئاً لأنه كان حدثاً غير متوقع). أما فيما يتعلق بالقضاء السعودي فوجدت أثناء بحثي الموضوع في مجموعة الأحكام التجارية أحكاماً نادرة جداً، منها ما نظرته المحكمة التجارية بجدة لقضية تقدم فيها مايزيد على ثلاثين شخصا: قالوا أنهم أبرموا عقد مضاربة مع المدعى عليه –شركة- بإستشمار أموالهم, ويطلبون ردّ مادفعوه, وقد دفع المدعى عليه بعدم حصوله على التصريح النظامي من الجهة المختصة, وقال المدعى عليه أن هذا التعسف والتعنّت من هيئة السوق المالية وعدم منحه ترخيص وأذونات هو من قبيل (القوة القاهرة), والذي أدى إلى إيقاف نشاطه، ولم تلتفت المحكمة لهذا الدفع وقضت بتضمين المدعى عليه (الشركة) برأس مال المدعين, وعدت ذلك تفريطا من المدعى عليه يتحمل به تبعاته حيث أن: التفريط في عرف الفقهاء هو ترك ما يجب فعله, وكان على المدعى عليه الحصول على التراخيص اللازمة قبل إستلام الأموال للمضاربة فيها. الحكم في القضية رقم 593/1/ق لعام 1436هـ.
وفي نزاع آخر نظرته الدائرة التجارية الثالثة بمحكمة الرياض وقائعه تتلخص: أن الشركة المدعية تطلب إلزام المدعى عليها بتعويض قدره مليون وستمائة ألف وهو فارق السعر في قيمة كوابل الألياف المتعاقد عليها, وذلك لإخلال المدعى عليها بإلتزاماتها المبرمة بين الطرفين ودفعت المدعى عليها: أن سبب عدم إلتزامها هو وجود حريق في المصنع, وأن ذلك قوة قاهرة مستندة بذلك لما ورد في العقد المبرم بينهما ونصه: “أنه لا يعتبر أي من الطرفين مسئولاً عن أي ضرر أو خسارة أو تأخير أو تقصير في الأداء نتيجة لأي قوة قاهرة معرفة هذه القوة القاهرة على أنها كل حادث يخرج عن نطاق أو سيطرة المعقولة للطرف الواقع عليه الحدث..”.
وقد قدم المدعى عليه تقريراً من إدارة الدفاع المدني بوقوع حادث الحريق, وقد قضت المحكمة بصحة هذا الدفع, وحكمت برفض دعوى المدعي ضد شركة الألياف بسبب هذا البند الذي ارتضاه الطرفين” حكم رقم 593/1 عام 1436هـ.
وعليه نلاحظ في هذا الحكم الأخير كيف أن صياغة البنود بشكل نموذجي, قد ساعد المحكمة على سرعة الفصل في القضية لصالح الطرف الآخر, وهو مايؤكد أن الصائغ الجيد للعقد هو كنز ثمين لكلٍ من البائع أو المشتري, وحصيلة الأمر أن الصياغة الجيدة لبنود الإعفاء من المسؤولية هي المنقذ الأول عند وجود الخلاف، يلي ذلك التشريعات الواضحة، ثم الاجتهادات القضائية المنشورة التي ترشد وتعين السالكين متى مانتباهم أمر أو فزع.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال