الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
من الأمنيات التي ينتظرها السعوديون أن تتحقق عاجلا هي عودة حياتهم الطبيعية كما كانت سابقا قبل أن يجتاح فايروس كورونا معظم دول العالم من بينها بلادهم، فالسعوديون يريدون أن يتمتعوا بالطواف في البيت الحرام ويكحلوا أعينهم بمشاهدة الكعبة المشرفة والسعي ما بين الصفا والمروة ويتمكنوا من زيارة المسجد النبوي والصلاة فيه واداء ركعتين في الروضة الشريفة، ويستطيعوا زيارة أقاربهم ومعارفهم وأصدقائهم في المدن والقرى المتباعدة.
كما ان لديهم شوق لتعود الحياة العملية والعلمية والمهنية والوظيفية مثلما كانت في السابق، ويحدوهم الأمل ليشاهدوا حافلات نقل العمال والموظفين تعود إلى مصانعهم وشركاتهم ليعيدوا الابتسامة إلى الشارع الذي توقف ضجيجه من السيارات وحافلات نقل الركاب والأشخاص الذين يقطعون الطريق ليعبروا. أصبح الشارع موحشا كئيبا، ولديهم يقين كبير أنهم سيواصلون من جديد تكملة مشوار رؤية السعودية 2030 التي أنطلقت في إبريل 2016، وتحقيق أهدافها، لأن المبادرات التي حملتها الرؤية جعلتهم يكتشفون قوتهم الموجودة في داخلهم ورسمت لهم طريق نحو القمة في كافة المجالات ومنافسة دول متقدمة.
هذه الفرحة تأجلت قليلا لدى السعوديين منذ أن أعلنت الحكومة المزيد من الإجراءات الإحترازية من أجل سلامة مواطنيها والمقيمين من الأخوة الوافدين، يد الحكومة كانت بلسم ومواساة ووقفت بجانبهم تطمانهم أن الحياة ستعود قريبا بشكل أفضل وأحسن، وأنفقت بسخاء ليبقى شعبها في نفس مستوى المعيشة التي أعتاد عليها والخدمات التي يجدها من المؤسسات الحكومية وأنتقلت كل الخدمات عبر الهواتف الذكية والتطبيقات الهاتفية.
الخطوات التي أتبعتها السلطات المختصة في تنفيذ الإجراءات الإحترازية نالت إعجاب المنظمات الدولية والكثير من الدول، وتمكنت السعودية من وضع إصبعها على الجرح، فهي تريد أن تحاصر الوباء واستطاعت خلال الاسابيع الماضية من تحديد موقعه، فهي تنتقل من التجمعات المكتظة ومن المساكن المزدحمة بالناس والاختلاط العشوائي.
والسؤال الأهم الذي يشغل بال السعوديين، وهو كيف ستكون حياتهم بعد إنتهاء أزمة كورونا؟ هل سيندفع الناس إلى الشارع حينما يتم الإعلان عن بدء عودة الحياة؟، هل تعود المصافحة والقبلات بين الاشخاص حينما يلتقون كتعبير عن حبهم وتقديرهم؟، وهل سيذهب الناس إلى المساجد ويقفون صفا واحدا دون خوف؟، وكيف سيكون حال الطواف والسعي وفريضة الحج؟
مكاتب الموظفين وبيئة العمل هل ستكون كما هي أو سنرى شيئا مختلفا؟ الخدمات الحكومية هل ستستمر بنفس أداءها، السرعة والإنجاز وعبر التطبيقات وعن بعد؟، هل تختفي فروع المصارف وتقلص عدد الإدارات الحكومية، ويقلص عدد الموظفين؟، الطلاب يتساءلون هل سيذهبون إلى فصولهم الدراسية او يكون هناك خيار التعليم عن بعد؟، هل تختفي مدارس وينخفض عدد الجامعات ويعاد النظر في طريقة الاجتماعات بعدما رأينا أهم الاجتماعات تعقد افتراضيا عبر الهاتف المرئي؟.
أزمة جائحة كورونا علمت السعوديين توفير النفقات والمصروفات والإدخار، على الأقل علمتهم كيف يوفرون من مرتباتهم أو مصروفاتهم اليومية ما بين 30 إلى 40 في المائة، يفترض أن تكون الجهات التي شاركت في تنفيذ الإجراءات الإحترازية لإنتشار فايروس كورونا خلال الأسابيع الماضية، أنها وضعت خطة لعودة الحياة، وتعمل كل جهة حكومية خدمية وحتى القطاع الخاص من خلال الغرف التجارية وضع تصور وخطة لعودة العمل لديها ويفترض أن تكون هناك جهة أيضا تقيم التجربة التي مررنا بها سواء في آلية تنفيذها وأثرها على المجتمع وماهي أوجه القصور وانعكاساتها؟
لأننا سمعنا الكثير من التصريحات الحكومية وخاصة المبادرات المتعلقة بدعم القطاع الخاص بمختلف مستوياته ودعم الاسر المحتاجة والموظفين العاطلين، بالتأكيد لا نطلب الكمال في العمل، إنما فقط من أجل التقييم والملاحظة وكل مسؤول اجتهد في أداء مهمته، ولعلنا نشيد هنا تناغم الإدارات الحكومية في تكملة الدور المطلوب منه، فمثلما كانت هناك خطة لمواجهة الأزمة، نشطت في الجانب الأخر مهام الرقابة من أجل حماية المجتمع من الإنتهازيين ولصوص الأزمة، من تجار ومزورين والمتكسبين بطريقة غير مشروعة ونشيد بجهود هيئة الرقابة ومكافحة الفساد لمبدأ الشفافية التي تعاملت بها في إعلان حالات الكشف عن بعض الجرائم التي رافقت الإجراءات الإحترازية. وأيضا نقدم كل التحية للكوادر الطبية والجهات الامنية وغيرها من الإدارات التنفيذية لتعاملهم الجاد.
الأزمة كشفت لنا رغبة السعوديين والوافدين المخلصين لهذه البلاد من أجل التجاوب والمساهمة مع الدولة في تحقيق توجهها، ومساهمة رجال الأعمال والقطاع الخاص في مبادرات متنوعة من خلال السلال الغذائية وإيصالها للاسر الموجودة في الأحياء التي تم منع خروجهم أو الدخول اليها. ودعم الصناديق الوقفية الاجتماعية والطبية.
هذه هي المرة الأولى التي لن يستطيع السعوديون من اداء صلاة التراويح ولا حتى صلاة عيد الفطر ان استمر الوضع كما هو – لاسمح الله-، وربما لأول مرة أيضا لن يجد الناس في الشوارع الباعة الجائلون وأصحاب البسطات الذين كانوا ينتشرون قبل الافطار، وهذا في نظري من أهم ايجابيات فايروس كورونا، لانه سينظف الشارع من ماكولات ملوثة ومجهولة المصدر يسيطر عليها وافدون ولا تعلم مكونات هذه الاطعمة والمشروبات.
بصراحة السعوديون مقبلون على تغيير كبير في حياتهم، وأيضا المؤسسات الحكومية والأهلية ستشهد نقلة مختلفة وأسلوبا مغايرا عما كان عليه قبل 27 فبراير، وحتى يتكيف الناس مع هذه التغييرات سيستغرق الأمر خمس سنوات مابين تعافي وتقبل الحياة الجديدة، والسؤال الأهم .. هل نحن مستعدون لهذا التغيير؟.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال