الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تحدثت في سلسلة مقالات بعنوان: “النفط الأمريكي بلا قيود” والتي نشرت في شهر يونيو سنة 2017 عن الاجراءات الاقتصادية والسياسية التي تبنتها الادارة الأمريكية الحالية على الصعيدين المحلي والدولي منذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سدة الحكم بهدف إنقاذ الصناعة النفطية الأمريكية والصخري على الخصوص ورفع التنافسية في هذا القطاع عقب انهيار أسعار النفط في منتصف 2014.
يمثل النفط الصخري نسبة 63% من مجمل إنتاج أمريكا من النفط الخام في 2019 بحسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية ويتطلب استخراجه وانتاجه تقنيات متقدمة ومكلفة بمقارنة بالنفط التقليدي. تتفاوت التكاليف بشكل كبير بين الشركات حسب تصنيفها وأيضًا في الخصائص الجيولوجية للأحواض الصخرية وغيرها. تحدثت بعض التقارير عن سعر 40 دولارًا كسعر للتصافي في تطوير الأحواض الصخرية وبعضها أشار إلى نطاق أسعار دون ذلك. على الرغم من ذلك، آثرت الادارة الأمريكية التدخل واتخذت العديد من الإجراءات لرفع أسعار النفط وتحفير الاستثمار في الصناعة النفطية الأمريكية.
على الصعيد المحلي، قامت الإدارة الأمريكية برفع معظم القيود القانونية خصوصًا تلك التي تتعلق بالبيئة أشرت إليها في تلك السلسلة بهدف تسهيل استخراج النفط وتحقيق الكثير من المكاسب المادية للشركات الأمريكية. في حوض البرميان، على سبيل المثال، تم السماح للشركات بحرق أكثر من 750 مليون قدم مكعب يوميًا من الغاز المصاحب للنفط في 2019 وذلك بحجة أن تكاليف فصل الغاز عن النفط ونقله للأسواق غير مجدية اقتصاديًا وأصبحت بسببها الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الرابعة عالميًا في حرق الغاز الطبيعي.
أما على الصعيد الدولي، انسحبت أمريكا من اتفاقية المناخ تحسبًا لأي قيود قد يتم فرضها مما سيحد من توسع الصناعة النفطية الأمريكية. في السنين الأخيرة، فرضت الادارة الحالية العديد من العقوبات الاقتصادية على روسيا وفنزويلا وإيران والصين مما ساهم بشكل غير مباشر في إحداث نقص في إمدادات الأسواق ورفع أسعار النفط على التوالي.
بينما كان أعضاء أوبك بلس يقومون بإعادة التوازن للأسواق العالمية المتخمة بالمعروض عبر خفض الانتاج أو الحد من الزيادة منذ 2016، توسعت الشركات النفطية الأمريكية في انتاجها من النفط الصخري. تصدرت أمريكا قائمة الدول في انتاج النفط وبلغ انتاجها اليومي 12.3 مليون برميل وهو الأعلى تاريخيًا بزيادة مقدارها 1.2 مليون برميل عن 2018. انتشت الأوساط الاعلامية بهذه المعدلات وراج مصطلح استقلال أمريكا في إمدادات الطاقة لكن بعد انهيار الأسعار تغيرت النبرة بشكل كبير واهتزت صورة المنتج المستقل لدى الكثيرين.
تدهور إنتاج أمريكا والحوافز الاقتصادية:
انخفض معدل إنتاج أمريكا مؤخرًا وذلك عقب قيام الكثير من الشركات بخفض الاستثمار في الصناعة النفطية الأمريكية مما أدى إلى انخفاض كبير في معدلات الحفر وأتممة الآبار النفطية وبالتالي انخفاض الإنتاج والصادرات ومن المتوقع أن يستمر الانحدار بشكل كبير بسبب طبيعة النفط الصخري وعدم استدامته.
تأثرت الشركات الكبرى بهذا الانخفاض لكن الشركات الصغرى هي الأكثر تأثرًا وذلك لأن تكلفة استخراج النفط فيها مرتفعة نسبيًا بالمقارنة مع الشركات الكبرى وعدد منها يكابد بسبب تراكم الديون للمستثمرين والبنوك.
في 3 مارس من هذا العام، زار وفد من كبار التنفيذيين من كبرى الشركات النفطية البيت الأبيض وطالبوا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باتخاذ العديد من الإجراءات لإنقاذ صناعة النفط المحلية بما فيها شراء النفط المنتج محليًا وإضافته للمخزون الاستراتيجي والحصول على تسهيلات حكومية إضافية. سبق هذه الزيارة إعلان الرئيس الأمريكي خطة الإنقاذ والتي تضمنت تريليوني دولار تذهب معظمها لتحفيز القطاع الخاص في ظل أزمة الكورونا الحالية ومن الأرجح أن تستفيد الشركات النفطية خصوصًا الصغيرة من هذا الدعم.
في تلك الفترة، كانت هنالك مساعي لتحقيق التوافق بين أعضاء أوبك تكللت في الاتفاق التاريخي الذي تحقق قبل أسبوعين بخفض انتاج الأعضاء بمقدار 10 مليون برميل يوميًا ابتداء من مايو لكن تفاعل الأسواق المالية عقب الاعلان لم يكن كافيًا. مؤخرًا، تعالت بعض الأصوات في مجلس الشيوخ بالتنديد بما يجري في الأسواق النفطية وإلقاء اللوم على السعودية بسبب فشل اتفاق أوبك بلس مع روسيا بل طالبوا الادارة الحالية بفرض رسوم على واردات النفط السعودية.
شهدت صادرات المملكة من النفط إلى الولايات المتحدة الأمريكية انخفاضًا كبيرًا في السنوات الأخيرة. انصب تركيز المملكة على إمداد أسواق شرق وجنوب آسيا بالنفط لأسباب تتعلق بالنمو المضطرد الذي تشهده تلك الدول خصوصًا الصين و لانخفاض تكلفة الشحن البحري بسبب قرب المسافة مقارنة مع أمريكا. في 2019، استوردت الولايات المتحدة الأمريكية ما يعادل 530 ألف برميل يوميًا من النفط ومشتقاته من الخام المتوسط إلى الثقيل وهي الواردات الأقل منذ حرب الخليج. تمثل هذه الكمية أقل من 5% من مجمل انتاج المملكة من النفط وكذا الحال مع أمريكا إذ أن النسبة ضئيلة مقارنة مع وارداتها حول العالم.
في حال قامت الادارة الأمريكية بفرض رسوم جمركية أو حظر لوارداتها من النفط السعودي فإنها ستواجه العديد من المعضلات. أولًا، المستورد الأمريكي بحاجة لتعويض الخام السعودي بخام شبيه لا يوفره المنتجين المحليين خصوصًا منتجي النفط الصخري لذا سيتم استيراد النفط من الخارج من دولة أخرى. بالنسبة للسعودية فإن هذه الكمية من النفط التي قد يفرض عليها الرسوم ستجد مشترين آخرين في أسواق آخرى حول العالم وينتفي بهذا الضرر على المملكة كما أن هذه الكمية ضئيلة نسبية بالمقارنة مع مجمل انتاج المملكة.
تشرف شركة شيفرون الأمريكية على استخراج وتصدير نصيب السعودية في حقول المنطقة المقسومة بين المملكة والكويت ويتم تصدير الانتاج إلى الأسواق الأمريكية. لن تقوم الادارة بفرض رسوم تتحملها الشركة الوطنية وهو حل غير منطقي. الأهم مما سبق هو أن العلاقات بين البلدين أقوى مما يتصوره البعض بغض النظر عن الهرقطات الإعلامية بين الفينة والأخرى. لم تتأثر العلاقات خلال أحداث سبتمبر وهي الأصعب تاريخيًا التي شهدها البلدان والأمر ذاته مع الأحداث الراهنة.
تمر أمريكا والعالم بأزمة اقتصادية كبيرة وفي مثل هذه الأزمات يبحث البعض عن مبرر للهروب من الواقع كما هو الحال مع مثل هذه المطالب وهي محاولات لتشتيت الرأي العام من الأحداث الراهنة وكسب الناخب المحلي لا أكثر وإن جرى تضخيمها اعلاميًا. هذا والله أعلم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال