الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في كل قرن من الزمان يحدث أمر يلقي بظلاله على الناس ويصنع شكل العالم لسنوات لاحقة أو حتى عقود متتالية. لكن قبل هذا؛ ما هي الجائحة؟ بعد أقل من شهرين منذ ظهور أول حالة حاملة لفيروس كورونا (كوفيد19) باتت الصين أمام وباء عام ينتشر بسرعة ويقتل أصحاب الأمراض المزمنة، ولأننا في عصر السرعة، فإن الوباء لم ينتظر منظمة الصحة العالمية لتحدد ما إذا كان الوباء سيتطور ليصبح جائحة؛ والمعنى هنا أن المسافر الذي يحمل الفيروس إلى إيطاليا من الصين سينقل العدوى إلى أفراد عائلته أو أصدقاءه، وهنا نكون أمام جائحة!
عند النظر في تاريخ الجوائح، نجد أن البشر عرفوا منذ القدم عدد من منها والعجيب أنهم أجمعو على مواجهة الجوائح بسلاح “التباعد الاجتماعي” كما يسمى. ويعزز من هذا الاتجاه ما حدث في التاريخ القريب، عند أنتشار جائحة “الإنفلونزا الإسبانية” كما يطلق عليها في عام 1918م والتي حصدت من الأرواح ما يقارب 20 مليون إنسان وفقاً لأقل التقديرات. وتشير المصادر التاريخية أن الدول تعاملت مع الجائحة الأسبانية بإجراءات مشابهه لما تقوم به الدول اليوم، حيث تم إغلاق الأماكن العامة وحظر التجول والبصق في الطرق-أجلكم الله- ووضعّت عدد من القيود على المكاتب العامة لإعارة الكتب، كل هذه الإجراءات استهدفت الحد من انتشار الجائحة.
ورغم كل الجهود العالمية المبذولة لمواجهة الفيروس فإن الآثار الذي سيلحقها على حياتنا لا مناص منها، وأقصد هنا؛ جميع شئون الحياة، بما يشمل الجوانب الصحية والاجتماعية والاقتصادية والتقنية والمالية وغيرها. إن ما أحدثه الفيروس من آثار بتعليق الأنشطة التجارية في كل العالم ولفترة تزيد عن الشهرين هو شيء غير مسبوق في عصرنا الحاضر. كنت في حديث مع جدتي في فترة تنامي الإجراءات الإحترازية التي قامت به الدولة، وسألتها عما إذا سبق معاصرتكم لأي حدث مشابهه، وقبل أن أكمل السؤال أجابت بشكل قطعي: ابداً ابداً. وبهذا؛ أظن أن أحدى أسباب عدم إدارة العالم لهذه الأزمة بكفاءة، هو عدم امتلاك الخبرة الكافية للتعامل مع الأمر. وما أعتقده شخصياً أن هذه الجائحة ستحدث عدد هائلاً من التغييرات، لا أدعي أن جميعها سلبية! وقد يكون الأثر الاقتصادي والمالي أبرزها. ولعل ما قامت به عدد من الدول من ضخ أموال ضخمة في الاقتصاد قرينةً على التخوف من حدوث ركود اقتصادي أو كساد- لا قدر الله- ولكن حتى وإن كانت هذه الإجراءات استباقية وكبيرة فإنها حتماً لن تكون الحل. لماذا؟ لأننا ببساطة أمام كارثة صحية وليست مالية كما حدث في 2007-2009م.
وبما أن أساس الأزمة حدثً صحي؛ فإن أدوات الحل والربط بأيدي الأطباء والمختصيين في صنع وتطوير اللقاحات وستعلن أو تكتشف في المستشفيات والمختبرات الطبية، وعندها فقط؛ ستبدأ مكائن المصانع بالعمل ويعود الطلب على البترول وتدور دفة الاقتصاد من جديد. أن ما أحدثه الفيروس من آثار التباعد الاجتماعي، سبب صدمة في الطلب والعرض معاً؛ وهو أمر حديث على أسواق المال، الذي تتعامل في الغالب مع ضعف الطلب بزيادة التمويل وتقوم البنوك المركزية بتخفيض نسب الفائدة والعكس مع زيادة الطلب. ولذا؛ فإن عدد من الإجراءات المتخذة لن تكن سواءً “مغذيات” لتخفيف الآثار. وعلى ما يبدو أن هذه الآثار ستكون باهضة وستمتد ليس فقط إلى باقي العام الحالي وإنما العام القادم 2021م –وهو ما لا أتمنى-.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال