الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في كتابه التسعينيات الهادرة The Roaring Nineties يقول جوزف ستيغليتز الحائز على جائزة نوبل في علم الاقتصاد : لا يمكننا ان نجري تجارب حقيقية، لا يمكننا اعادة التاريخ لذلك لا يمكننا ان نثق كثيرا باستنتاجاتنا وأضاف التقلبات الاقتصادية وسمت الرأسمالية منذ البداية بأن كل ازدهار سينفجر، وكل ركود يليه انتعاش .
وفي اعتقادي بأن الرأسمالية اليوم تحت المجهر على خلفية تداعيات كورونا الآنية والمستقبلية لكن من السابق لأوانه الحديث عما ستقدمه من مخرجات حتى هذه اللحظة لاتزال تقدم ادوات لايمكن قياس فاعليتها الا بعد تجاوز الازمة ببضع سنوات، لذلك لايزال امامنا وقتًا طويلًا لتشخيص النظام قبل إذ يُختبر تعامله ونجاحه مع ازمة كورونا فعندما اندلعت جائحة كوفيد – 19 اصاب الاقتصاد حالة من الصدمة والغيبوبة المؤقتة فشل معها كل شيء ثم مالبث العالم واستيقظ على حالة من التفكير الجاد في الحلول ! ثم هل انكشف خلل الرأسمالية في علاج تداعيات ازمة كوفيد – 19 الاقتصادية والتي من المفترض ان تكون بمثابة الوصفة العلاجية لجميع المشاكل الاقتصادية ناهيك عن ازمة كورونا ؟
تميل الكثير من الاطروحات الاقتصادية كما يعتقد الكثير من الاقتصاديين الى افلاس المدارس الاقتصادية وخاصة (عمق النيوليبرالية) عندما تقاطعت مفاهيم الصحة والاقتصاد مع بعضها البعض من (الحصان او العربة) ووصلت الى النهاية دون ان تقدم ما لديها من أدوات جديدة او حتى فعالة بيد أن المُخرَج المهم في كل الاحوال هو انه لا يمكن لهذه الازمة ان تستمر دون حلول وان كانت جزئية او ترميمية ضمن فلسفة النيوليبرالية فهل هذا كذلك ؟
إن النظام الاقتصادي العالمي كشف عن بعد حاسم لم يكن على البال عندما باتت الدولة هي (رجل الإطفاء) لإخماد نار كورونا المستعرة القطاع الخاص الذي كان يعول عليه كثيرا قبل الازمة بات بعدها في مرحلة التيه أيضاً بتكبده للخسائر ناهيك عن انقاذ الاقتصاد فارتفعت معدلات البطالة بشكل غير مسبوق والتي وقف النظام الاقتصادي عاجزا عن علاجها. يقول المستشار الاقتصادي للبيت الابيض كيفن هاسِت ان إجراءات العزل دفع بمعدلات البطالة في امريكا الى 16% هذا الشهر في حين بلغ عدد طالبي الاعانة من البطالة الى 26.5 مليون شخص خلال منتصف مارس الماضي .
لطالما يجيب الاقتصاد على الاسئلة الاهم : لمن ؟ وكيف ؟ ولماذا؟ فهل سيعاد تشكيل الرأسمالية من جديد نحو اللاعولمة او انحسارها جزئياً وكيف سيكون النموذج الافتراضي القادم الذي يضمن كفاءة الاداء وتوازن الدخول وتقليص فجوات الفقر ام سيستمر النموذج الحالي في تكوين ادوات جديدة اكثر تعقيدا بفرض اطر وسياسات جديدة بشكل مختلف ام ان التعديلات ستطال بعض الانكفاء في الهوامش فحسب ؟
إن تطوير مفهوم النظم الاقتصادية يخضع لاعتبارات ومراجعات وقوى مختلفة وخاصة في المقارنات بين الاسلوب والنتيجة والتأثير والتأثر ولذلك عادة ما تشكل الازمات الاقتصادية منعطفا مهما في التطوير او التغيير حالما يكون البديل جاهزًا ومرغوباً فيه. إن اي تقاطعات فكرية حادة عن هذا الواقع تتطلب حاليا التحييد والركون الى الحلول فقط لاحتواء الازمة وان اي خيال فكري عن سقوط الرأسمالية ليس من السهولة بمكان في وقت تتسارع خلاله وتيرة التطور الصناعي والتكنولوجي الذي غير وجه العالم من خلالها مما يتطلب معه التعامل بتوفير المزاج التفاؤلي والدافعية البناءة في حالة تصنف حاليا بالاستفاقة من غيبوبة اقتصادية يعيشها العالم من عدم اليقين في اقسى درجاته .
الازمات داخل خلية فايروس كورونا تتوالى وامامنا بضعة اشهر قادمة ستكون بمثابة الفيصل في التعافي ثم التشافي ذلك حقاً حالما تتقلص تداعيات التفشي والاحتواء على مستوى العالم هذه الفرضية لسيناريو مأمول. لقد انتقل العالم الاقتصادي من حالة الغيبوبة الى الافاقة التي بدأت اولى مراحلها بتحفيز القطاعات الاقتصادية ودعم البرامج الصحية وسد فجوة الطلب بإعادة وتعزيز القدرات بالادوات المالية اللازمة التي تُنشط العمليات الانتاجية والقطاعات المنتجة وخاصة تلك التي يكون فيها حضورا للتقنية والعمل عن بعد والتجارة الإلكترونية والصناعة والغذاء.
وعليه فإن التوليفة المتوازنة القادمة في الفكر الاقتصادي لابد وان ترتكز على السياسات الذكية الجديدة للمالية والنقدية والقانونية على اساس اقتصادي موضوعي كمنهاج يخدم العناصر الانتاجية والعلاقة بينهما وهذا يتطلب حراكا عميقاً ومقبولا .
لقد عكست جائحة كوفيد -19 أن قدرات الدولة اقوى في ادارة زمام هذه الازمة وفق بنية الحوكمة الاقتصادية وادارة المكاسب والتكامل في منظومة الاداء العالمي ! فهل سيقودنا هذا التكامل والاداء الى ان نرى توازنا جديدا في الفكر الاقتصادي بين السياسات التشغيلية المشتركة لكل من القطاع العام والخاص تفضي الى التوازن ايضا فيما بين الصحة والاقتصاد من منظور مختلف؟
انها حالة لاستقراء النمط الاقتصادي المرتبط بالسلوك المؤسسي الذي يراهن على فاعلية الادوات وكيفية توظيفها مع انتظار النتائج. اربع اشهر في تاريخ كورونا في اكبر مأساة انسانية واقتصادية اخذت خلالها الاجهزة الاقتصادية في جميع دول العالم على عاتقها التخطيط الجيد لادارة هذه الازمة وبالرغم من اصابة اكثر من ثلاثة مليون ووفاة ما قارب اكثرمن 200 الف شخص إلا أنه ولأول مرة يتحد العالم معا ضد عدوهم الشرس و المشترك، اختبار حقيقي للمؤسسات ورسالة اخرى مهمة ايضا تقول ليس هذا الوباء فقط النهاية ، العالم لايزال مهيأ لأوبئة اخرى وهنا مربط الفرس إذ أن المستقبل سيشهد عملاً مختلفاً للوقاية هذه الحقيقة ستكون اولويتها هي الأهم، المحصلة هي ترتيب الاوراق وتناغم الادوات التي تضمن الاداء الاقتصادي من جهة ومن جهة اخرى تحقيق اعلى معايير الاحترازات والتدابير اليوم وغداً في جوانبها الاستثنائية لاخماد اتون هذه الجائحة وغيرها .
مجمل القول : النظام الاقتصادي العالمي يواجه مأزق التكيف والتعامل العبقري مع هذه الازمة على صعيد القوى والاتفاقات وتوجيه الدفة والحلول ، هكذا يشخصه المحللون ، وبعيداً عن هذا الاعصار .. من المؤكد ان هذه الازمة غير قابلة لأي تكهنات اقتصادية قادمة دون ارض صلبة تفسر اي متغيرات قادمة ، ولكن النجاح يكمن في النهج الاقتصادي لادارة الازمة بالممكنات العقلانية للمفاهيم الاقتصادية الحالية التي تضمن كفاءة الاداء والتشغيل والتعرف على مواطن القوة والضعف وربط درجات الاستجابة بالسياسات الاقتصادية التي تشكل مخرجات قيّمة ونفعية للاقتصاد الكلي.
حتماً ستتطور الادوات والتباينات في الاقتصاد العالمي من منظور النمو المعتدل الافقي واقتصاد مختلط اكثر كفاءة فيما بين القطاعين العام والخاص وبيئات جديدة اكثر انتاجاً وابتكاراً لكنها ستبق فيما اعتقد تحت مظلة المفاهيم الاقتصادية المعاصرة، ذلك انه يستحيل التنبؤ بالآتي ولا احد مهما كان عريقاً او خبيرا يمكنه القول بالقادم.
حتماً ستتحول كورونا الى ذكرى لاحقاً وسيذكر ابناء وبنات هذا الوطن قوة العمل الذي ادارة فيه بلادنا الغالية هذه الازمة باقتدار ، دروس كثيرة أعطت البقالة والحي والمدينة والتواصل الفعال والسلوك الاقتصادي والمجتمعي فرصة كبيرة للحراك والتفاعل والترابط غير ذي قبل وقبل ذلك الحضور الأقوى لاقتصاد الضروريات والرقمنة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال