الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أبدى البعض قلقهم بسبب ما ذكره معالي وزير المالية ووزير الاقتصاد والتخطيط المكلف الأستاذ محمد الجدعان في لقاء معه على احدى القنوات الإعلامية – يوم السبت ٢ مايو ٢٠٢٠ – حول احتمالية اتخاذ الدولة لإجراءات صارمة وقد تكون مؤلمة، وذلك بغرض تخفيض مصروفات الميزانية. وانتقد البعض الآخر لغة الحوار، وأعتبر أن معاليه لم يراعي مشاعر الجمهور. بل هناك – خاصة على منصات التواصل الاجتماعي – من حاول إثارة البلبلة في أوساط المجتمع من خلال لوي ذراع ما قاله معالي الوزير ليظهر وكأننا في طريقنا الى الهاوية.
لم أستغرب من كم القلق المتسرع وحتى التحامل الغير مبرر على معاليه عندما تحدث عما تنوي دولتنا المباركة تنفيذه في المرحلة القادمة. خاصة في الفئات المجتمعية الغير معتادة على لغة الاقتصاد، وهي لغة جافة عموما. وأيضا مثل هذه الفئات المجتمعية غير معتادة على الشفافية في اللحظات الحرجة مثل الجوائح والحروب. الا أن حديث معاليه كان متوازن وايجابي، ولكن ما الذي سبب القلق؟
بداية، حصل أن هناك من انتقى كلمات محددة ووضعها في غير قوالبها. ومع الاثارة المفتعلة من بعض الذين يحاولون كسب أكبر عدد ممكن من المتابعين لهم على منصات التواصل الاجتماعي، زاد القلق، خاصة بسبب كلمة “مؤلمة” في حديث معاليه.
وقد غاب عن الأذهان أننا في حالة حرب ضد الجائحة التي لم تشهد المملكة مثلها من قبل. وفي حالة الحرب تكون لغة المسئول انعكاس لخطاب الدولة المتزن في وصف الحال وما تنوى فعله بكل شفافية. إضافة، في الوقت الذي رُكِّز فيه على كلمات منتقاة في حديث معاليه مثل “إجراءات صارمة” و “مؤلمة”، أُهمِل تماما أن معاليه قال “دون الإضرار بالمواطن”. مما يعني أن خفض مصروفات الميزانية إجراء حتمي حتى نكون في مأمن من أي ضائقة مالية، ويكون الاهتمام موجه لخدمة المواطن في صحته وحياته اليومية حتى تزول الجائحة بإذن الله، والتي نبه معاليه الى انها ربما تطول.
أما عندما اشار معاليه بأن الإجراءات ستكون صارمة ومؤلمة فهذا يعني تناول ثلاث ملفات، وهي: الهدر، والتُخمة، والفساد. التعامل مع هذه الملفات سيكون أكثر صرامة بسبب ظروف أزمة كورونا، وطبيعي أن تناول هذه الملفات سيكون مؤلم خاصة للمتهاونين إداريا وماليا وفي كافة أجهزة القطاع العام وبلا استثناء.
أما مسألة الاقتراض والذي أعتبرها البعض كارثة، فهي أداة تمويل تكون – في حالات معينة – أفضل من السحب من الاحتياط أو تسييل استثمارات، خاصة عندما تكون فوائد الاقتراض في أقل مستوياتها، ويمكن تغطيتها من عوائد الاحتياطيات المستثمرة. هذا السلوك ربما يراه البعض – من غير المتابعين للتطور العلمي الحاصل في الاقتصاد – بأنه غير منطقي. اليوم تحولت بعض الأراء والنقاشات القديمة في هذا الخصوص الى نظريات لتوجد علم فرعي مستقل في الاقتصاد يتناول السلوكيات الاقتصادية الغير منطقية، والتي تعتبر منطقية لو نُظِر اليها من زاوية مختلفة وتعرف بمصطلح“Irrational Economic Behavior” . والبحث العلمي نشط في هذا المجال خاصة في أروقة مدارس الاقتصاد الأمريكية مثل هارفارد، ودوك، وأيضا كمبريدج، ودورم في بريطانيا. عموما، موضوع الاقتراض له المتخصص الذي يدير مشهده بمهنية، وهي عملية ليست ارتجالية أو اعتباطية.
ختاما، كلمة معالي الوزير الأستاذ محمد الجدعان ربما – وبغير قصد – لم تتنبه للتفاوت الثقافي في المجتمع، مما ساهم في إحداث شيء من التوتر عند بعض المواطنين. الا أنها لأهل الاختصاص والممارسة هي رسالة ايجابية وتعني ببساطة أن لا افراط في استهلاك موارد الدولة، وفي نفس الوقت لا تفريط في حقوق الوطن والمواطن. لذلك، وبينما تقوم الدولة بالنظر في جدوى مصروفات ميزانيتها، على المواطن أن يعي جيدا أن حكومة خادم الحرمين الشريفين وضعته فوق كل اعتبار، خاصة في الظروف التي نمر فيها حاليا. لنطمئن، نحن بخير بحوله وقوته.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال