الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في الخامس من شهر مايو 2020، نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية مقالة لأحد أهم كتابها جيسون بوردوف بعنوان “الرابح المفاجئ في أزمة انهيار أسعار البترول في عام 2020: المملكة العربية السعودية”. هلّل العديد بالمقالة وكأنه إعلان نصر مرتبط بمكاسب المملكة مما حصل في أسواق النفط، ومدى قوة موقفها المالي والسوقي المستقبلي.
وفي سويعات قليلة، أصبحت المقالة – وهي في شكل تقرير أكثر من كونها مقالة – مادة متداولة في منصات التواصل الاجتماعي وتقريبا على كافة المستويات الاجتماعية دون أن يسأل أحد ماذا فيها عن المملكة، وما هو السبب وراء كتابتها، ولماذا في هذا الوقت، وإذا ما كانت هذه المقالة في صالحنا أم أن وراء كتابتها شيء ما نجهله. وماذا نقرأ بين الأسطر.
سياق قصة المقال تُظهر المملكة وكأنها تجنى مكاسب من وراء ما حصل من هبوط حاد في أسواق النفط، مما أثر على إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة. ويصف الكاتب أن في الوقت الذي يدخل فيه الكثير من المنتجين نفق الإعسار المالي، إلا أن دولة واحدة ستخرج بنصيب الأسد من كل ما حصل، وشبهها الكاتب بالرابح المفاجئ للجميع، وهي المملكة العربية السعودية.
ثم بدأ الكاتب بسرد مجموعة من الحقائق عن المملكة، مثل احتياطات المملكة المهولة والتي تجعلها قادرة على الوقوف أمام الصدمات العنيفة، وأنها قادرة على الاقتراض، بعكس قدرة الدول المنتجة الأخرى. كما أن بمجرد تعافي الأسواق ستكون المملكة هي صاحبة العوائد المالية الأعلى بحكم حصولها على النصيب الأكبر في أسواق النفط، إضافة إلى أن المملكة استثمرت الطلب الأمريكي منها في تخفيض الإنتاج، مما مكنها من تقوية موقفها الجيوسياسي.
ويطرح السؤال نفسه هنا: هل غرض كتابة المقالة الإشادة بالمملكة كما أعتبره الكثير؟ او هل هو تقرير يوحي بمصطلح “حرب الأسعار” ولكن بطريقة أخرى؟ قبل الإجابة، لا بد من اعتبار الشواهد التالية في المقالة:
الشاهد الأول:
لا توجد أي إشارة لدور المملكة في محاولة منع ما حصل في أسواق النفط بسبب جائحة كورونا، ولا للمحاولات المريرة للمملكة لإقناع روسيا بالموافقة على تمديد وتعميق خفض الإنتاج أثناء اجتماعات “أوبك+” في فيينا في أول شهر مارس الماضي، وتحذيرها من الإنتاج الغير مسؤول. وهي مسألة مهمة لو كان غرض المقالة هو الإشادة بالمملكة.
الشاهد الثاني:
الكاتب لم يتطرق الى موقف المملكة الإيجابي من النفط الصخري الأمريكي لأنه عامل استجابة هام لتزايد الطلب في المستقبل، مما يخفف الضغط على المنتجين الكبار. بل العكس، فقد ادّعى الكاتب في مقالته أن المملكة عملت على إضعافه وهي ليست المحاولة الأولى، فقد حاولت أن تضعف صناعة النفط الصخري عام 2014 عندما تركت الأسعار تنهار وقتها.
الشاهد الثالث:
أبطن الكاتب قناعة خفية بأن المملكة وكأنها استغلت ضعف موقف المنتجين لتنقّض على الأسواق وتستحوذ على أكبر نصيب فيها، مهملا تماما أن الخام السعودي هو المفضل لكبريات مصافي التكرير بما فيها الموجودة داخل الولايات المتحدة، فبدت المملكة وكأنها تتاجر بنفطها في أسواق النفط الفورية، متناسيا تماما أن المملكة دائما تحترم الوفاء بالتزاماتها وتحترم مصالح الجميع، وهي التي تتحمل الشق الأكبر من التنازلات لأجل صالح المنتجين والأسواق.
الشاهد الرابع:
يُذكِّر الكاتب بأنه بالرغم من قانون محاربة احتكار منظمة “أوبك” الذي تبناه الكونجرس، يقوم الجمهوريون في الخلف بكسره والتعامل مع المنظمة ومع المملكة التي خاضت حرب أسعار ضروسه – كما يدّعي – سببت في انهيار صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة.
مع الشواهد، مهم أن نتنبه إلى أن البروفيسور جيسون بوردوف كان أحد القيادات السابقة في مجلس الأمن القومي الأمريكي. والأهم هو أنه كان مساعد خاص للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، مما يعني أنه محسوب على الحزب الديمقراطي.
وهو كاتب في مجلة “فورين بوليسي” التي استحوذت عليها شركة جراهام الإعلامية القابضة عام 2008، وهي نفس الشركة التي باعت صحيفة “الواشنطن بوست” الشهيرة – أخت “الفورين بوليسي” – إلى الملياردير جيف بيسوز (مؤسس أمازون) عام 2013م. وجدير بالذكر هنا، هو أن رئيس تحرير مجلة “الفورين بوليسي” هو جوناثون تمبرمان، مؤلف الكتاب الشهير “The Fix”، والذي يناقش فيه كيفية النجاة في حال الظروف الاقتصادية والسياسية المتدهورة عالميا، من خلال البعد عن التنظير الخلوق والتركيز ببراغماتية على اكتشاف المواقع التي فيها هذه الحلول والاستحواذ عليها.
لذلك، لا تظهر المقالة على أنها كتبت للإشادة بالمملكة. وأغلب الظن أنها تحضير للدعايات الكلامية المتعلقة بالتجهيز للانتخابات الأمريكية في نوفمبر القادم، خاصة أن سياق قصة المقالة يمكن أن يكون محفز لطعن منافس بآخر – في الانتخابات المقبلة – وأيضا مستفزة لمن تكبد خسائر فادحة في أسواق النفط الصخري في الولايات المتحدة لكسب دعمهم لصالح فريق على آخر، وهذا أدعى إلى أن نكون حذرين في التعاطي مع مثل هذه الكتابات. وألا ننْجَر وراء عواطف واهمة بسبب كلمة ناعمة – في مظهرها – تقال في حقنا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال