الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تداعياتُ جائحةِ كورونا الُمستجِّدةُ لمْ تقتصرْ آثارُها المدمِّرَةُ على الصحَّةِ العامَّةِ فحسب، بلِ تشعَّبت لتشملَ مفاصلَ الهياكلِ الاقتصاديَّةِ والماليَّةِ والأنشطة التجاريَّة، بالإضافةِ إلى تداعياتٍ وتحدِّياتٍ اجتماعيَّةٍ متفاقمة آنيَّةٍ ومستقبليَّةٍ.
في هذا المفصلِ التاريخيِّ الصعب، ثمَّةَ ضرورةٌ لتحليل التداعيات الصحيَّة للجائحة بشكل متزامن مع مهام إدارة الأزمة، والمباشرة في إجراء مراجعةٍ بنيويَّة شاملةٍ لمفهوم المنُّظمِومة الصحيَّةِ لاسيما خطط الوقاية الوطنيَّة من الأوبئة المعدية وإعادة ترتيب أَولويَّاتها وفقًا لما أفرزته الجائحة من معلومات وبيانات .
صياغةُ استراتيجيَّةِ أمن صحيٍّ فعَّالةٍ وقادرةٍ على تعزيزِ الأمنِ الوطني وسلامةِ المجتمعِ تقتضي تبنِّي مقترب فعَّال يوازن بين مخاطرالأوبئة المستقبليِّة وكلف رصدها واحتوائها، كما تقتضي تجنُّب الحلول السريعة والمجتزأة التي قد تفضي إلى تحدِّيات مستقبليَّة معقَّدة . الاستراتيجيَّة يجبُ أن تتسمِ أيضًا بالوضوحِ وقابليَّةِ التكيُّفِ مع التهديات الصحيَّة الداخليَّة والخارجيَّة.
ثمَّة مسلَّمة علميَّة يجب مراعاتها عند التخطيطَ الُمحتَسبَ للطوارئِ، وتصميمَ برنامجٍ فعَّال لرصدِ التهديداتِ الوبائيَّة، واحتوائها بأقل خسائر بشريَّة واقتصاديَّة. تكمن المسلَّمة في أنَّ الأوبئة والجوائح حقيقة مأساويَّة ملازمة للحياة في هذا الكوكب. وأنَّ المجتمعَ الآمنِ صحيًّا والوقايةُ المطلقةُ من مخاطرِ الأوبئةِ والجوائح أهدافٌ لا يمكن تحقيقُهُا.
حتميَّةِ حدوثِ أوبئة وجوائح مستقبلًا تستند على السجلِّ التاريخيِّ لانتشارِالأمراض المعديةِ التي أدَّت إلى إعادة تشكيل العالم أكثر من مرَّة، وكذلك على التزايد الُمتسارع في تفشِّيها خلالَ العقدين الُمنصرمين. التحدي العلمي الكبير يكمن في استحالة تحديد تاريخِ انطلاقِ الأوبئةِ أوتحديدُ بؤرها وسرعةُ انتشارهِا.
مراعاةُ هذهِ المسلَّمةِ تساعد الحكومات وقيادات المؤسَّسات الصحيَّة العامة على إنشاء منظومة وقائيَّة فعَّالة وكفوءة، والوصول إلى قراراتِ صائبة توازنٍ بينَ حجمِ المخاطرِالمستقبليَّة وكلف التهيُّؤ والرصدِ والتداخُّلِ العلاجي. والأهمُّ من ذلك، تجنُّبِ هَدرِالمواردِ الاقتصاديَّة والبشريَّة في مُقْبِل مواسمِ الأوبئةِ والجوائح.
بالمقابل، إنشاء منظومة وقائيَّة مستندة على فرضيَّة “الحصانة المطلقة” من الأوبئة سواء داخليَّة المنشأ أو الواردة ، يتعارض مع مبدأ التوزيع الأمثل للموارد الاقتصاديَّة والبشرية المتاحة. عناصرالكفاءة الماليَّة يجب توفُّرها في خطط الرصد والاستجابة والاحتواء لتجنُّب هدرالموارد الاقتصاديَّة النادرة لاسيما في مرحلة ما بعد الأزمة الراهنة.
نجاح “المقترب المتوازن” يعتمد بشكل كبير على توفر منظومةِ وقائية فعَّالةِ تضمُّ عناصرَ الوقايةِ والمناعةِ الفرديَّةِ والمجتمعيَّةِ، وآليَّاتِ الرصدِ الُمبكِّرِ والاستجابةِ السريعةِ لتهديداتِ الأوبئةِ والجوائحِ، وتوفيرُ القُدُراتِ الوطنيَّةِ البشريَّةِ والتقنية الُمختصَّة بالرصدِ والتشخيصِ والاستجابةِ الفوريَّةِ والتداخل العلاجي والاستفادةِ من القُدراتِ الدوليَّةِ، بالإضافة إلى إيجاد نظام تكاملي للطاقات الوطنيَّة العلاجيَّةِ، يضمُّ مُنشآتِ الصحَّةِ المدنيَّةِ، ومُنشآتِ المؤسَّسات الحكوميَّة الخاصَّة” مُنشآتِ القوات المسلحة والأمن الداخلي ” ومُنشآتِ الاستثمار الصحي الخاص، إلى جانب عدد آخرمن عناصرالنجاح ومقوماته.
إعادة بناءِ منظومةٍ الأمنِ الصحيِّ الوطنيِّ على أسس ومفاهيمَ صحيَّةٍ مبتكرة جديدةٍ، والاستفادة ممَّا كشفته الجائحة من فجوات ونواقص وقائيَّة وعلاجيَّة تشكِّل أحدُ المهامِ الأساسيَّةِ للحكوماتِ وقيادات الهيئات الصحيَّة العامَّة في المرحلة القادمة.
جودةُ الصحَّةِ العامَّةِ والمواطنون الأَصحَّاءُ من المقوِّمات الأساسيَّة للتنميةِ البشريَّةِ والنموِّ الاقتصادي. فالأمنُ الصحيُّ يشكِّل أحدُ أهم مرتكزاتِ الأَمنِ الشاملِ، والأوبئةُ والجوائحُ عاملٌ مقوِّضٌ للاستقرارِ الاجتماعيِّ والاقتصاديِّ.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال