الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أكد معالي وزير المالية محمد الجدعان في لقاء له على إحدى القنوات الإعلامية – يوم السبت 2 مايو 2020 – عن نية المملكة في اتخاذ إجراءات صارمة نحو تخفيض مصروفات الميزانية. ومن ضمن ما أشار اليه هو أن الأزمة التي سببتها جائحة كورونا ربما تطول لعدة أشهر وربما حتى نهاية العام الحالي.
ويتبادر هنا سؤال: هل تستطيع المنشآت الصغيرة والمتوسطة مواجهة هذه الأزمة التي ربما تطول بواسطة حزم الدعم المالية التي قدمت للقطاع الخاص، أم تحتاج هي أيضا لإجراءات صارمة تضع منظومتها على الطريق المفترض أن يكون عليه؟ خاصة أن الظروف الاقتصادية ما بعد كورونا لن تكون مثل ما كانت عليه قبل كورونا.
بداية، لابد ألا ننكر حقيقة أن قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة ليس قوي من الأساس، خاصة أن في مرحلة ما قبل الجائحة وتحديدا في الفترة ما بين عامي 2015 – 2019، لم يكن في حالة تمكين حقيقية لعدة اسباب من بينها اعادة هيكلة الاقتصاد وان كان يعيش حالة زهو إعلامي.
سبب عدم التمكين يعود لغياب من يدافع عن مصالحه أمام المنافسة الغير عادلة من كثير من المنظومات الاقتصادية الكبيرة، وأيضا غياب تأمين الزامي لنِسَب مضمونة لهذه المنشآت في أعمال وتشغيل الكيانات الكبرى سواء في القطاع العام أو الخاص من خلال برامج محتوى محلي واقعية وفاعلة، وغياب توظيف القطاع في برامج تصنيع استراتيجية، إضافة الى غياب من يحمي هذا القطاع الغَضْ من بعض الإجراءات التي لم تراعي أنه مازال هش البنيان ولا يتحمل الكثير من الأعباء التنظيمية ذات الأثر المالي.
فوجدنا أنفسنا أمام قطاع لا يمتلك ميزة أن يتعايش مع الظرف المفاجئ على أنه عامل تباطؤ اقتصادي مؤقت، ولكن عامل انهيار لأغلب أنشطته الاقتصادية. ولا دواء – بحكم ما رأينا من مستجدات أثناء الجائحة في أساليب الحياة والعمل – سوى تأهيله الفوري ليقوم على الابتكار وريادة الأعمال في مفاهيمهما الصحيحة، وتمكينه، والاستثمار فيه.
لذلك، هذا القطاع يحتاج تعامل بقالب غير تقليدي ومختلف وفوري، حتى تستطيع الشريحة الأعرض فيه من مواجهة التحدي واجتيازه. ندرك وجود هيئة “منشآت” التي تحاول خدمة هذا القطاع وأيضا هيئة “المحتوى المحلي” التي تحاول فتح الأبواب له، ولكن مقتضيات المرحلة الجديدة تتطلب حُلة وفكر جديدين. فالآليات القديمة لن تكون مناسبة للتعامل مع الواقع الجديد بعد الجائحة، وهذا بكل تأكيد يعني الاحتياج لكيان لا يكتفي بالوقوف الخجول بجانب هذا القطاع اليافع، ولكن أن يأخذ بيده ويبحر به نحو بر الأمان.
والأمثلة عديدة حولنا في هذا التوجه، فلو نظرنا إلى الشرق، سنجد أن الهند قد أسست كيان مستقل – يعمل تحت مظلة أعلى سلطة – باسم غرفة المنشآت الصغيرة والمتوسطة، مهمة هذه الغرفة تمكين قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة من مشاركة الكيانات الاقتصادية الكبرى المحلية ودخول أسواق عالمية جديدة، حتى تعظم قيمته في مجمل الناتج المحلي للهند. كوريا الجنوبية – كمثال اخر – أسست هيئة عليا مستقلة ولكن أكثر تخصصا عن مثيلتها في الهند. فقد ركزت على تأهيل وتمكين المنشآت الصغيرة والمتوسطة للإنتاج التقني والصناعة للإيفاء بمتطلبات السوق المحلي من المنتجات والخدمات، ومع التصدير للأسواق العالمية كمنحى استراتيجي لا تنازل عنه.
أما لو نظرنا للغرب، سنجد كندا قد سبقت كوريا الجنوبية على نفس النهج وركزت على الصناعة، ووضعت البرامج والتشريعات التي تخدم صناعاتها من خلال مشاركة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في دعم سلاسل الإمدادات الصناعية بالمنتجات والخدمات والتقنيات. أما الحكومة الأمريكية فقد أنشأت مؤسسة فيدرالية ضخمة التأثير على مستوى الولايات المتحدة في دعم وتنمية وتمكين رواد الأعمال والمنشآت الناشئة، ومرجع هذه المؤسسة إلى البيت الأبيض لضمان سلاسة ونجاح مهمتها، وعدم السماح لأي جهة بألا تتجاوب معها أو أن تمارس عليها أي ضغوطات لا تخدم المصلحة الأمريكية العليا.
لصنع التغيير المنشود نحو إيجاد قطاع منشآت صغيرة ومتوسطة يقف بقوة واستدامة في مواجهة الأزمات، وتعظيم قيمته في مجمل الناتج المحلي، تظهر لنا الحاجة الملحة والفورية لكيان مهني قوي وشجاع، قادر على الدفاع عن مصالح هذه المنشآت وأصحابها، ودعم عملية تطويرها وتمكينها من خلال بناء استراتيجيات قائمة على برامج تأهيلية محترفة وتمكينية فعلية في التجارة والخدمات والصناعة، ومشاركة حقيقية لهذه المنشآت في كل مفاصل الاقتصاد وخاصة في خدمة سلاسل الإمداد العريضة في القطاعين العام والخاص.
هذا الكيان سيكون العامل الفاعل والمؤثر في التزام المنظومات الاقتصادية الكبرى بتطبيق فِعْلي وفوري لبرامج المحتوى المحلي (المٌقاسة والمُحاسبة)، والقائمة على المنشآت الصغيرة والمتوسطة. وأيضا في مساعدة الجهات الرسمية ذات العلاقة لإعادة تأهيل البرامج التشريعية والتنفيذية والرقابية بما يضمن إنجاح هذه المهمة.
تمكين قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة وحمايته مسألة في غاية الأهمية. ليس فقط لأنه قطاع من ضمن المستهدفات الرئيسة لرؤية المملكة 2030 في الإنتاج وخلق الوظائف، ولا حتى لمواجهة الأزمة الحالية، ولكن لأنه أداة تحوُّط في مواجهة أي جائحة مستقبلية أو ظرف قاهر (لا قدر الله) تتطلب دعم فوري لأمننا الاقتصادي والاجتماعي وبأقل التكاليف.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال