الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
عندما يقول خبراء الاقتصاد والمنظمات الدولية بأن الازمة خَلقت حالة من عدم اليقين فإن التبعات مجهولة وكل تنبؤ يحمل أيضا ذات الفكرة ( عدم اليقين ) لم يمر اقتصاد العالم بحالة مشابهة حتى تكون نتائج التوقعات قريبة ، العالم يتسابق من اجل المحافظة على معدلات الاستهلاك وتحفيز الطلب الكلي، كورونا معارك اقتصادية عديدة داخل معركة كبرى ذلك ان كوفيد – 19 لم يكن التحدي الأوحد فحسب الذي يواجه القطاع الخاص لكنه الأقوى وعندما نقول الأوحد فهذا يعني ان التحديات السابقة كثيرة ، وعندما نقول الأقوى فذلك يعني اقوى تجربة وجودية في تاريخه المعاصر تحديات عديدة ولدت من رحم وفلسفة القطاع ذاته وليس من سواه ولكون كل ما سبق قصته فإننا في هذه المقالة سنتجاوز ذلك الى واقعه اليوم .
لم تأل جهداً حكومتنا الرشيدة في دعم القطاع الخاص وتحفيزه ليكون شريكا اساسيا حقيقياً ضمن مستهدفات رؤية المملكة ٢٠٣٠ ليحقق عائدا مهما في الناتج المحلي الإجمالي بمستهدف تصل نسبته اكثر من ٦٠٪ ومع تداعيات كورونا قامت ايضا بضخ حوافز ومبادرات بمبالغ فلكية وتعمل بشكل مستمر على ان يتجاوز اي آثار اقتصادية خاصة وان هذه الازمة القت بظلالها على الشركات والمؤسسات في جميع دول العالم، لذلك في اعتقادي ان هذا الدعم المستمر وخلق تسهيلات ومرونات اوسع خلال هذه المرحلة للقطاع الصناعي تحديدا سيشكل قيمة مضافة نوعية ومهمة نحو تعزيز المنتجات الصناعية الوطنية والتي بدورها سنذهب بها بعيدا في جانب الإيرادات الغير نفطية ومحتوانا المحلي والدخل القومي خلال هذه المرحلة والمراحل اللاحقة .
ينتظر من القطاع الخاص في المقابل ان يقدم خططاً ونماذج اعمال احترافية ليشارك في ادارة وعبور هذه الازمة بكافة الممكنات المتاحة وفي اطار تشغيلي محترف وخاصة في اتجاه الوظائف واستقرارها وتوفير حزم من الاعمال التي تتم عن بعد كما ان درجات الاستجابة للمتغيرات لابد ان تؤخذ في الاعتبار ذلك ان الازمة تتطلب التضحية الوقتية والتكامل ففجوة الفاقد الوظيفي ستلقي بظلالها مستقبلا على الكم والمهارة والتي ستعيدنا للمربع الاول للبطالة مما يعني أن مفاتيح القدرة الاقتصادية ومنها الادارة التنفيذية المثالية بيد القطاع الخاص اولاً واخيراً.
لقد وفرت التكنولوجيا اليوم لغة جديدة للاعمال والتدريب والاتصال والتي ستمتد لما بعد الازمة مما يستوجب معها التفكير الجاد في المراحل الزمنية وقراءة المستقبل الانتاجي واضافة قيم جديدة كما اكد وزير المالية في حديث سابق عندما قال .. هناك فرص جديدة خلقتها ظروف ومعطيات كورونا . وهذا يتطلب ان تكون الآفاق الجديدة بما يضمن الاحتياجات النوعية ويطور من المحتوى المحلي وكفاءته بمزايا نسبية ومرحلية تضمن تحقيق عوائد عالية وحضور مستدام اضافة لفرص التدريب الواسعة وبتخصصات كثيرة تناسب سوق العمل الفعلي ذلك أن الجهات المناط بها عمليات التدريب لم تأل جهدا في مد جسور التعاون بل انها ذهبت بعيدا بتقديم مخرجات سعودية جاهزة للعمل بعد ان تم تدريبها على احدث التقنيات والممارسات العالمية التطبيقية الحديثة .
نعلم ان هناك مخاوف من الدخول في جوانب الربح والخسارة ولكن التعويض ممكن والفرص واسعة واطر الاستثمار ذات رحاب واسع والثقة في اقتصادنا هي طاقة ايجابية للاداء والتفاعل اكثر بما يعزز من الفرص الصناعية والزراعية وتنوعها مضافاً لها استراتيجيات البحوث والتطوير وفاعلية اوسع لسلاسل الامداد والخدمات اللوجيستية وجميعها ستشكل منظومة مهمة في المخرجات الاقتصادية ولذلك المضي قدما في ذلك يتطلب ايضا التفاعل الايجابي من القطاع الخاص وصولا الى الاستدامة والعائد الاكثر مساهمة في النمو الاقتصادي .
في الوقت الذي تشهد فيه القطاعات الاقتصادية العالمية تراجعا حقيقيا في الانشطة حيث اظهرت بعض القطاعات انخفاضا حادًا فقطاع السياحة العالمي على سبيل المثال سجل أسوأ أزمة خلال هذا العام بنسبة انخفاض لأعداد السواح يتراوح ٦٠٪ الى ٨٠٪ وفقا لمنظمة السياحة العالمية وكما هو الحال في قطاع النقل والفنادق والمصانع لا يزال عنق الزجاجة يختنق اكثر على امل ان تعود التوازنات الاقتصادية والاسواق حالما تُفتح قيود السفر والإنتاج.
ووفقا لدراسة نشرتها الجزيرة كابيتل فإن القطاعات التي سجلت سالب مرتفع هي قطاعات الاسمنت والنقل الجوي والسياحة والسلع الفاخرة وقطاع الشركات في حين سجل قطاع الخدمات الأساسية والصيدليات والانترنت آثارا ايجابية وأشارت الى ان هامش الربح الاجمالي في قطاع التجزئة قد انكمش من ٥٠ الى ١٥٠ نقطة اساس جراء اغلاق العديد من المتاجر نتيجة لفرض منع التجول كما تتجه ايضا تأثير هذه التداعيات على المنشآت الصغيرة والمتوسطة في مختلف دول العالم وبالرغم من تلقيها الدعم الحكومي اللازم الا ان هذه منظومة قطاعنا الخاص تتطلب أساليب جديدة في التعامل مع هذه الأزمة بالعمل على استمراريتها على نحو جديد ليتم توظيف الممكنات في صالحها كالسلوك والوعي ومتطلبات المرحلة وتوظيف معطيات رأس المال البشري والتحول الرقمي ومعرفة اتجاهات الاستهلاك الحالي والمستقبلي لتتمكن من التغيير نحو الأفضل .
تداعيات كوفيد – 19 الاقتصادية لا تثير المخاوف فقط جراء الاغلاق الكبير فحسب بل انها تمتد الى ازمات اخرى تتعلق بالديون وخاصة الاسواق الصغيرة ناهيك عن شبح الافلاس والخروج للعديد من الشركات حول العالم ! لكن لحسن الحظ الجميع يقظ ويصارع من اجل البقاء بل ان هناك من ادار الازمة في القطاع الخاص بالتفكير من خارج الصندوق وخاصة في جانبه الصناعي ، فالكثير من المصانع تحولت الى صناعة المستلزمات الطبية والمعقمات ( اكثر من ٦٠ مصنعاً انتجت ٣.٥٥ مليون لتر معقمات ، ٣.٨ مليون كمامة ) فحققت بعدين مهمين مكاسب مالية ومكاسب وطنية ، إن من ابرز الاتجاهات لخروج القطاع الخاص معافى من الازمة هو ان يعزز من دوره الانتاجي ويحافظ على رأس ماله البشري ويضع خطة استراتيجية قابلة للتنفيذ فورًا للتحول نحو ذكاء الاعمال والتقنية والإنترنت والعمل عن بعد ويدير هذه الازمة بالابتكار والتغيير والمرونة التي ستخلق منه قطاعاً لا يعتمد كليًا على الدعم الحكومي بقدر ما يعتمد ذاته.
مجمل القول : لاتزال البيانات الاقتصادية سلبية على الاسواق العالمية هناك حاجة الى ضخ استثمارات عالمية تقدر وفقا لصندوق النقد الدولي بـ ٢٠ تريليون دولار بعد الجائحة ، منظمة التجارة العالمية اظهرت بياناتها انخفاضا يتراوح من ١٣٪ و ٣٢٪ ، بنك أوف امريكا قال بأن الاسواق الناشئة سحبت ٢٤٠ مليار دولار من احتياطات النقد الاجنبي في شهرين ومن المتوقع انعكاسا لذلك ان يتم تخفيض التصنيفات الائتمانية للمزيد من الدول وسط توجه يشوبه الخطر بإنهاء الاغلاق.
وفي المقابل فاتورة القطاع الخاص العالمي تتضخم بين تداعيات كورونا واستشراف المستقبل وادارة القطاع وتشهد هبوطا في النشاط الاقتصادي ، على المستوى الداخلي القطاع الخاص امام اختبار حقيقي بين القوة والافضل لمن يبتكر ويطور نماذج مرنة للاعمال ويكسب رهان التقنية والعمل عن بعد وكذلك مستثمري وقناصي الفرص الجديدة.
كما أن هذه المرحلة ليست مرحلة ربحية فالاهم هو المحافظة على البقاء والاستمرار والتفاعل المجتمعي المبني على المسؤولية الاجتماعية وتضافر جهود الجميع للخروج من الازمة بأقل الخسائر ولكن في مفاهيم الربح والخسارة يعد فصل الموظفين التعسفي وتقليص اجورهم وحقوقهم هي اعظم الخسائر الآنية والمستقبلية التي تتعاظم معها الصعوبات في فقدان الثقة التي يصعب معها العودة على نحو من الانتماء الوظيفي الذي هو ديدن الانتاج الفعلي والاستدامة ، قطاعنا الخاص قادر على امتصاص التداعيات حالما يبدأ في تنفيذ خططه بأدوات اكثر استجابة .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال