الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بداية نشكر الله دائمًا وأبدًا أننا من أهل هذه البلاد المباركة، في ظل رعاية وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، وبقيادة تنفيذية لسمو الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله جميعًا، ونسأل الله أن يحفظ البلاد والعباد من كل مكروه.
وقد ظهر جليًا لنا كم أن ولاة الأمر همهم الأول الإنسان في هذا الوطن. ولمسنا ذلك مع تداعيات هذه الجائحة غير المسبوقة بتاريخ البشرية على الأقل خلال المئة عام الماضية. أقصد بها وباء كورونا. فقد اتخذوا كل قرار ممكن لحماية الإنسان بغض النظر عن الثمن الذي سوف يُدفع نتيجة هذا القرار. وهذا يكفينا فخرًا وعزًا.
ونكتب ذلك وتداعيات توقف الاقتصاديات في معظم دول العالم الكبيرة منها قبل الصغيرة ما تزال إرهاصاتها تتوالى، وسوف تقلب موازين كثيرة خلال السنوات القادمة دون شك. أما لدينا في المملكة فقد بدأت هذه الإرهاصات تظهر بشكل أكثر مع تراجع أسعار النفط التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة. وبالتالي ثلاث أزمات في نفس الوقت مؤلمة وانعكاساتها خطيرة؛ جائحة كورونا، والتبعيات الاقتصادية لتوقف النشاط الاقتصادي نتيجة الحجر، وتراجع أسعار النفط، وكلها تحتاج إلى حلول إبداعية للتعامل معها أولاً، والتعامل مع تداعياتها ثانياً. وهو ما حمل معالي وزير المالية، سدد الله جهوده على أن يصرح ويصارح، لابد من شد الأحزمة. ولكن نقول أيضاً مع المحن تكون المنح مما يحتم علينا التفكير خارج الصندوق.
وأول تلك الإرهاصات، تفاقم عجز الميزانية هذا العام ٢٠٢٠م، والتراجع الحاد للإيرادات إلى مستويات متدنية نتيجة تراجع إيرادات النفط وزيادة الأعباء المالية لجائحة كورونا نتيجة تخصيص مبالغ ضخمة لوزارة الصحة، ثم بعد ذلك قرارات دعم القطاع الخاص بأكثر من ١٨٠ مليار ريال نتيجة توقف الاقتصاد ولتلافي انهيار عدد كبير من الشركات أو إعفاء موظفي القطاع الخاص . وبالتالي قام مسئولي السياسة المالية بالتحوط وأخذ أسوأ سيناريو ممكن حدوثه بعد كل ذلك. وهذا هو التصرف الحصيف في مثل تلك الظروف، أعانهم الله.
ولكن بطبيعة الحال التداعيات ليست فقط على الميزانية ولكنها تداعيات متعددة ومتعدية وعلى أكثر من محور. والنقاش حول طريقة تعامل الإدارة المالية مع التحديات المالية تحديداً، والتي يجب أن تأخذ بعين الحرص تبعات كل قرار يتخذ لتوفير المال لخزينة الدولة. فكل قرار له إرهاصات على أو لجوانب أخرى قد لا تكون مرئية أو لا يظهر التأثر بشكل مباشر ولحظي. فهيكل الاقتصاد عبارة عن مثلث مقلوب، أعلاه السياسة الاقتصادية، ووسطه السياسة المالية، وفي نهايته السياسة النقدية. فمساحة الحركة ليست متساوية لتلك السياسات ولكن تاثير قرارات السياسات المالية والنقدية سريع جدًا عكس السياسة الاقتصادية ذات النفس المتوسط والطويل. لذا نجد أن تصريحات محافظ البنك المركزي في أي بلد أكثر تأثيرًا على نفسية السوق من تصريح وزير الاقتصاد مثلًا. لأنها تعني سيولة أقل أو سيولة أكثر ببساطة.
وبالتالي الأسئلة التي علينا طرحها؛ ما هي الحلول الممكنة أمام صانع القرار؟ وما هي محددات كل حل؟ ولماذا نأخذ هذا الحل دون الآخر؟ وما مدى تأثير كل من الجوانب السياسية، الاقتصادية والاجتماعية على عملية اتخاذ القرار؟
طبعًا في مطبخ اتخاذ القرار هناك عصف ذهني بالتأكيد، وهناك آراء ووجهات نظر متعددة حول الموضوع. ولكن السؤال؛ هل يجب أن تكون دائرة اتخاذ قرارات استراتيجية مثل هذه واسعة أو ضيقة؟ وما هي حدود المشاركة وتحديدًا عندما تكون القرارات لها تبعات واسعة النطاق؟
كوجهة نظر محايدة، اعتقد أن هناك حلول إبداعية يمكن طرحها والتفكير فيها على أقل تقدير، فبدلًا من رفع نسبة قيمة الضريبة المضافة إلى ١٥٪ على كافة السلع والخدمات، أن يتم تطبيق قيمة الضريبة المضافة الانتقائية مثلًا، على السلع الاستهلاكية والسلع المعمرة وسلع الرفاهية، وبالتالي يتحقق هدفين؛ رفع الإيرادات، و تقليل الاستهلاك من السلع المستوردة الأكثر ضغطًا على الريال. هذا إذا كان تفكيرنا محصورًا في الضريبة المضافة.
ولكن أيضًا لدينا خيار آخر وهو ضريبة الدخل، والتي يمكن أن تكون على ذوي الدخل العالي وأصحاب الثروات مثلًا. بحيث يكون لدينا جداول تتناسب الضربية فيها مع مستوى الدخل بحد أدنى لا يقل عن مبلغ يتجاوز ذوي الدخل المتوسط حسب التعريفات المعتمدة لدى وزارة الاقتصاد وهيئة الإحصاء. وكمثال بسيط، لو أخذنا ذوي الدخل ٥٠ ألف ريال فأكثر شهريًا، وافترضنا أن عددهم لا يتجاوز ١٠٠ ألف شخص، ما بين مواطن ومقيم وتم فرض ٢٠٪ نسبة ضريبية، فإن ذلك يعني إيراد بنحو ١٢ مليار ريال في سنه واحدة، عدا عن أصحاب الثروات.
وبهذا نكون تلافينا ضريبة على السلع الأساسية، وتلافينا الإضرار بأصحاب الدخول المتوسطة والمحددة، ونكون أيضًا رفعنا الإيراد لسد العجز، وتلافينا الإضرار بأصحاب المنشآت من خلال تقليل الطلب على السلع الأساسية، لأنهم سوف يضطرون إلى خفض الأسعار، وكذلك شجعنا أصحاب الأعمال للاستثمار في إنتاج تلك السلع محليًا، وبالتالي حافظنا على الريال من ضغوط الاستيراد. وفوق كل ذلك، تأثيرها على القطاع الخاص بشكل عام، مما يجعل اتخاذ قرار الاستمرار من عدمه، مطروح بقوة مع بقاء عناصر الضغوطات الأخوي مثل تكاليف التشغيل، والبدائل الأخرى.
أيضًا في موضوع ضغط المدفوعات الحكومية للقطاع الخاص، بالإمكان إصدار صكوك أو سندات مقابل المبالغ المستحقة على الحكومة مباشرة للمستفيدين، لمدد مختلفة لا تقل عن سنة ميلادية، وبنسب عمولة مختلفة. وبالتالي القطاع الخاص (المستفيدون) يستطيعون الاحتفاظ بها إذا كانوا غير مضطرين للنقد، وإذا كانوا مضطرين، يستطيع خصمها بالسوق أو مع القطاع المصرفي أو استخدامها كضمان بنكي، خصوصًا أن السيولة في القطاع المصرفي في ازدياد نتيجة تراجع الطلب على التمويل بسبب عدم اليقين مع هذه الجائحة. وهذا المنتج يمكن أن يتداول في السوق أيضا. منتج واحد قد يخلق سلاسل من المنتجات في القطاع المالي. علمًا بأن تفعيل سوق الصكوك والسندات من أهم أهداف رؤية ٢٠٣٠ ويمكن تطوير هذا السوق بقليل من المنتجات ذات الطابع الإبداعي.
كذلك يمكن التفكير بمنتجات جديدة كليًا، مثل صندوق التوفير، من خلال إصدار سندات للمواطنين وتحديدًا موظفي القطاع العام، يتم من خلاله تجميع مستحقات هؤلاء الموظفين، على مدار سنوات، ليست للتقاعد، ولكن للادخار، كما تفعل الشركات الكبيرة مع موظفيها. وبالتالي تحتفظ الحكومة بالنقد من خلال الاستقطاب لمن يرغب، وتكون حققت أهداف عدة؛ نقد متوفر، وتشجيع على الادخار، وتقليل مستويات الاستهلاك ورفع الوعي المالي. بهذا يكون لدينا منتجات حقيقية، وليس فقد محاولات لرفع الوعي بأهمية الادخار وتقليل الاستهلاك رغم أهميتها.
تحقيق الأهداف يحتاج إلى تطوير منتجات ومن ثم يتم تسويق تلك المنتجات على المستهدفين. والقائمة تطول في ابتداع الكثير من المنتجات التي يمكن ان تكون الظروف “غير المؤاتية” التي نعيشها سبب في تطويرها وتبنيها من قبل القطاع العام والخاص. فالحاجة أم الاختراع.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال