الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ضريبة القيمة المضافة نوع من الضرائب التي هي أهم مصادر الإيرادات العامة في غالبية الدول. وأشهر بديل تضخم عجز الميزانية، ولكن لهذا التضخم أضرارا وحدودا على المدى القصير. خلاف أنه غير ممكن الاستمرار به وتراكمه على المدى البعيد. ولذا فإن النقاشات والخلافات بين أهل العلم والاختصاص ليس في أصل فرض الضريبة، فهذا مسلم به، ولكن في التفاصيل. والحديث هنا يركز على أهم التأثيرات المصاحبة لفرض ضريبة القيمة المضافة وزيادتها على مستوى الاقتصاد الجزئي Microeconomy ، وليس الكلي Macroeconomy والمالية العامة.
تمتلئ وسائل التواصل الاجتماعي بتعليقات حول هذه التأثيرات. وأكثر التعليقات التي قرأتها أو سمعتها تتصف بأحد أو كلا ضعفين: ضعف في الموضوعية بتغليب الهوى، وضعف في الجانب العلمي والعملي. وكثيرون يخلطون بين محاولة وصف وفهم الواقع كما هو، والرغبة أن يكون الواقع كذلك.
من المهم التنبه ابتداء على أن الاقتصاد يمر في كل وقت بظروف مختلفة متباينة قوة وتأثيرا. وزاد في وقتنا ظرف فايروس كورونا البالغ الشدة والتأثير. وآثار تلك الظروف تختلط، أي أنه ليس من السهل الفصل التام لآثار كل ظرف. وهذه طبيعة الظروف والمتغيرات الاقتصادية. حيث إن الاقتصاد ليس معملا نتحكم فيه بالظروف والعينات.
تأثيرها على الاستهلاك والقدرة الشرائية
تقلل ضريبة القيمة المضافة من حجم استهلاك الفرد بالنظر إلى أنها ترفع السعر النهائي للسلع. والكلام في الغالب والمتوسط العام. ذلك أن ارتفاع السعر يقلل في الغالب الطلب، وخاصة إذا لم يرتفع الدخل بما يوازي ارتفاع الأسعار. مثلا الدراسة التالية وجدت أن ارتفاعا بنسبة 1% في الضريبة يعمل على خفض الاستهلاك بنسبة مشابهة على المدى القصير ونسبة أعلى على المدى البعيد.
Value-added Taxation and Consumption
هل هذا الانخفاض في الاستهلاك يقابله تقليل في الهدر عامة وفي الطعام خاصة؟
نعم عند البعض وليس كل الناس. وهنا من المفيد جدا بذل جهود من شأنها رفع مستوى الوعي، وزيادة حجم الادخار وتقليل الهدر.
ما سبق يبين أنها تقلل غالبا ما يسمى القدرة الشرائية للفرد. ومن الصعب تحديد مستواها بمجرد قراءة التغيرات في الاستهلاك، لوجود عوامل أخرى أيضا تغير في القدرة الشرائية، زيادة ونقصا. هذه العوامل قد تكون خاصة، أي تصيب أفرادا دون أفراد أو منشآت دون منشآت، وقد تكون عامة واسعة الانتشار، كما نرى الآن تحت الظروف الاقتصادية الراهنة. وقد تجتمع عدة عوامل في وقت واحد. هذا يعني أن التغير في القدرة الشرائية قد يحدث لأكثر من سبب آنيا، أي في وقت واحد.
لكن هناك طرقا يعرفها أهل العلم والاختصاص لتمييز آثار كل عامل قدر المستطاع. تستند هذه الطرق على منهجية قائمة على قواعد وأصول معروفة مسبقا. وأهم المناهج استخدام نموذج توازني تجري فيه محاولة تفكيك العوامل والمؤثرات، ثم معرفة التأثيرات التوزيعية لنسب مختلفة من الضريبة، أخذا بعين الاعتبار عوامل مهمة وأخذا بعين الاعتبار أنواع من ردود فعل الأفراد.
ما حد تقليل الضريبة لقدرة الفرد الشرائية؟ من المتوقع وجود خصيصتين: الأولى أن البائع في الغالب يضيفها إلى السعر النهائي بالتدريج. أي أنه يتحملها كلها أو بعضها بالبداية ومع الوقت يقلل من تحمله لها، برفع السعر. وقدر رفع السعر قد يساوي وقد يكون أقل من الضريبة اعتمادا على عوامل كثيرة. وسيأتي لاحقا مزيد توضيح لهذه النقطة.
الثانية أن ما يدفعه المشتري من ضريبة القيمة المضافة تصاعدي مع تصاعد دخله، ولكنه انحداري في نسبته إلى الدخل. هذا يعني في الغالب أن الأعلى دخلا يدفع كقيمة مطلقة أكثر، لكن نسبة ما يدفعه إلى دخله تنخفض مع زيادة الدخل. وهذا المتوقع أظهرته دراسات كثيرة. هذا الوضع جعل دولا كثيرة تدخل تعديلات في بنية ضريبة القيمة المضافة، بما يخفف من تأثيرها على ذوي الدخول الأقل. مثلا، تزيد النسبة على السلع الاقل أهمية أو الأكثر كمالية، وتقل على عكسها، وتنعدم على سلع مختارة. وفي بلادنا، نعرف أن هناك سلعا معفاة. لكن هذه السياسة تجعل عبء الضريبة على بعض قطاعات الأعمال أقل من عبئها على قطاعات أخرى، وعلى الأفراد. ولهذا تأثيرات على التوظيف وتخصيص الموارد وغيرها.
عبء الضريبة على البائع أو المشتري؟
من النقاط التي أراها تقال بكثرة أن البائع ينقل كل عبء الضريبة إلى المشتري. هذا صحيح في بعض السلع والحالات، أما التعميم فغير صحيح. لماذا؟
تؤثر ضريبة القيمة المضافة على الطلب أو قرار الشراء من قبل المستهلك من خلال عوامل وآليات كثيرة، أهمها مرونة الطلب، أي مدى تأثر الطلب بتغير الأسعار. وتعتمد هذه المرونة على تأثير الدخل وتأثير الاحلال والرغبات ومدى الاهتمام بالشراء. وكل هذه تتأثر بالوقت.
تأثير الدخل يعني أن الدخل إذا بقي على حالة، فإن القوة الشرائية تنخفض مع ارتفاع الأسعار. وتبعا لابد أن تقل الكمية التي يمكن للمستهلك شراءها. أما الإحلال فيعني أنه قد توجد سلع بديلة بسعر أنسب. وقد ينتج هذا الإحلال رضا أقل لدى المستهلك. وكل هذه الأمور قابلة للتغير مع الوقت.
أما من جهة المنتجين أو البائعين، فإنهم يسعون لزيادة المبيعات وضمنا الأرباح، أو على الأقل المحافظة على مستوى المبيعات فالأرباح قدر ما يمكنهم. هذا شيء معروف. والسؤال كيف يستمرون في تحقيق ما يسعون إلى تحقيقه بعد فرض الضريبة؟ من الوسائل الممكنة محاولة خفض سعر البيع عبر خفض تكاليف الإنتاج أو الربح الذي كانوا يحصلون عليه قبل إضافة الضريبة. كم نسبة الخفض؟ الجواب يعتمد على عوامل عديدة منها مدى التنافسية، وظروف كل بائع أو منتج، ومدى الرغبة أو القدرة على خفض التكاليف والصبر على عدم الخفض لوقت، وطبيعة الطلب على السلعة، وتوفر بدائلها وأسعار البدائل. وإعطاء رقم تقريبي لسلعة ما ممكن بعد مرور فترة من تطبيق الضريبة ودراسة بيانات الاستهلاك والمبيعات ونحو ذلك.
تعارض المصالح بين الطرفين يتبعه تفاعل في السوق بين البائعين والمشترين ينتهي في العادة مع الوقت إلى أسعار توازنية جديدة يقبل بها الطرفان: البائعون والمشترون. وأساس هذا التوازن أن يقلل كل طرف البائع والمشتري من تطلعاته. وإذا لم يحصل التوازن يحجم إما البائع أو المشتري أو كلاهما عن إتمام العملية. ومع الوقت تضغط الظروف بمختلف أشكالها وألوانها على الأسواق لمحاولة دفعها إلى نقاط توازن جديدة.
الضريبة ليست خالية من الملحوظات
طبيعة الضريبة ونقاشاتها في كل العالم لا تخلو من ملحوظات. مثلا، نعرف وجود فروقات بين الناس في الظروف حتى لو تماثل الدخل، مثل حجم العائلة وظروفها الخاصة بها المؤثرة على وضعها المادي. وممكن تخفيف حدة هذه المشكلة من خلال سياسات وبرامج مثل برنامج حساب المواطن في بلادنا السعودية.
الوقت له اعتبار
كل ما سبق خاص بتأثير الضريبة، بمعزل أو دون نظر لتأثير عوامل أخرى. وهذا ممكن في الأجل القصير. ومعروف أنه مع مرور الوقت، فإن العوامل الأخرى المؤثرة على الأسعار والعرض والطلب والاقتصاد عامة عرضة للتطور والتغير. من ثم يصبح الأمر كيف نفصل تأثير الضريبة عن تأثير غيرها.
نقطتان أخيرتان
الأولى هل إيرادات الدول من حصيلة ضريبة القيمة المضافة تزيد بالنسبة نفسها التي تزاد بها الضريبة؟
الجواب أن حصيلة الضريبة ستزيد بالتأكيد. ولكن الزيادة في الحصيلة ستكون بنسبة أقل من نسبة زيادة نسبة الضريبة. ولعل ما سبق ذكره في المقال يبين لماذا.
الثانية، أن فرض نسبة ما لضريبة القيمة المضافة مرتبط بالنظام الضريبي. كلما كانت الضرائب الأخرى أقل، كانت الفرصة أقوى لفرض ضريبة قيمة مضافة أعلى.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال