الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أعلن معالي وزير المالية ووزير الاقتصاد والتخطيط المكلف محمد الجدعان بتشكيل لجنة وزارية لمراجعة مزايا موظفي الهيئات الحكومية التي تم إنشائها خلال الأربع سنوات الماضية لمساندة عملية الإصلاحات الاقتصادية. فقد لوحظ تواجد فارق كبير بين رواتب هذه الهيئات ورواتب الخدمة المدنية، كما صرح معاليه، مما يستوجب المراجعة التي يمكن لها أن تساهم في التخفيف من الإنفاق، وأيضا تضمن عدم تشويه سوق العمل بسبب وجود إفراط في الرواتب أو مزايا غير ضرورية.
هذه المراجعة كان متوقع حدوثها سابقا، ولكن أزمة كورنا عجلت بها. والسؤال هنا: هل ستكون هذه الفرصة فقط لمراجعة رواتب منسوبي هذه الهيئات؟
لا شك في أن هذه الفرصة لا يمكن إلا أن تستثمر لتعظيم الاستفادة منها. فأمامنا عدد من الهيئات الحكومية تقوم بمهام نشيد بها وبالقائمين عليها، وأخرى ما زلنا ننتظر أن نسمع منها. إلا أننا في مرحلة ربما تحتاج ألا تراجع رواتب منسوبي ومصاريف هذه الهيئات فحسب، ولكن أيضا مراجعة مبررات تواجدها. خاصة في ظل تقديم مبدأي ترشيد الإنفاق وتمكين القطاع الخاص عندما أعلن عن ميزانية 2020 في ديسمبر 2019. وأيضا، للظروف التي سنقابلها بعد مرور الجائحة، والتي ستتطلب آليات جديدة بكل تأكيد، مما يستدعى إعادة ترتيب الأولويات، وإعادة تأهيل نماذج العمل الحالية للقيام بمهمات ذات منحى جديد مستقبلا.
وقد شهدنا من قبل مثل هذه المراجعة. فالرؤية عودتنا على مراجعاتها الدورية والمرحلية بما يخدم تطلعاتها. لو رجعنا لأرشيف ذاكرتنا ونظرنا في هيئة توليد الوظائف – على سبيل المثال – والتي تأسست في أكتوبر عام 2015، لوجدنا أنها خرجت علينا بحماس، من خلال تعريف 16 مهمة لنفسها. من بين هذه المهمات اقتراحات خطط، ووضع دراسات، وتبني سياسات تحفيزية، ووضع اليات تنفيذ ومتابعة. إضافة إلى التنسيق والاسهام والرفع ودعم برامج عمل المرأة، والمشاركة في تمثيل المملكة.
كانت مهام هيئة توليد مفخمة ومحاطة ببريق اعلامي. ولكن المطلب الأوحد من هذه الهيئة – ولم تشملها أدبياتها – هو “التمكين”. فالوظائف كان يمكن ايجادها، ولكن كل ما ذكرته هيئة توليد الوظائف من نشاطات ومهمات لها لا تكفي لكي تنجح في مهمتها الأساس. وبما أن الرؤية لا تحابي أحد، كان قرار مجلس الوزراء بإلغائها في فبراير 2018 بعد أن ظلت هذه الهيئة راسية على رصيف الميناء لسنتين ونيف في انتظار إبحارها.
لذلك، مراجعة مبررات تواجد العديد من الهيئات – في الظروف الحالية وما بعد الجائحة – مهم، لكي نتأكد من أن كل هيئة لها رؤية ذات بعد اقتصادي مُقاس ومنعكس بوضوح شديد على مجمل الناتج المحلي، مما يدعم سبب تواجدها ويبرر مصاريفها المعقولة، مع معالجة ما هو مبالغ فيه.
كما أن أزمة كورونا علمتنا أن أي هيئة – ذات بعد اقتصادي – لا بد أن تكون مؤهلة للتعامل مع الظروف الطارئة، مما يستدعي أن يكون لديها قدرة عالية على التخطيط البديل للحالات الطارئة ومعرفة عميقة بمفهوم تكاليف الفرص البديلة، وتخفيف المخاطر، وهذا يعني تطعيم الهيئات باقتصاديين محترفين، يجيدون قراءة الأرقام، ولديهم القدرة على ترجمة إشاراتها، وربطها لتكوين رسم تنبؤي لما يمكن أن تقابله أو ما يمكن أن تستشرفه من تحديات وفرص بما يخدم مهمتها، وفي أي موقف.
الحاجة ملحة اليوم لما ستقوم به الوزارة من مراجعات، وستكون الفائدة أكبر لو شملت هذه المراجعة النظر في مبررات تواجد العديد من الهيئات، مما يقدم فرصة ذات قيمة معظمة نحو ترشيد إنفاق أعلى من خلال الدمج بين بعض الهيئات، أو توزيع كوادر هيئة مكتظة لتخدم هيئات أخرى بحاجة لكفاءات. أو ربما نجد فرص تحويل بعض هذه الهيئات الى شركات مساهمة ربحية – كما اشرت لهذه المسألة في مقالة سابقة بعنوان “ماذا عن مستقبل الهيئات؟” على صحيفة مال الاقتصادية في 20 فبراير الماضي – مما يدعم تمكين القطاع الخاص في المساهمة بفكره المختلف والنوعي والمشاركة في تحمل التكاليف. أو الغاء هيئة ما، متى ما ظهر بأن لا حاجة لها بحكم النضج الاقتصادي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال