الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
رغم أنه من النادر أن تتفق حكومات العالم على موقف موحد تجاه قضية معينة؛ إلا أن ذلك حدث بالفعل في إجماعها على وجوب التعاون والتنسيق لكشف جريمة غسل الأموال حول العالم. ولعل ما يحتم هذا التعاون؛ ما تتسم به الجريمة من تعقيد بالغ وترابط دولي وثيق، أضف لذلك، الأضرار الكبيرة التي تخلفها على أي دولة.
ولا يخفى عليك عزيزي القارئ؛ أن الكشف عن جريمة غسل الأموال تسحبنا تلقائياً إلى اكتشاف جريمة أخرى، بحكم ارتباطها الواقعي بجريمة أصلية تسبقها، مما يعني أن عدم اكتشافها يفضي إلى ضياع فرص الإيقاع بمروجي المخدرات أحياناً، ومرتكبي الجرائم الاقتصادية، كالرشوة والاختلاس في أحيانً أخرى.
تمر عملية غسل الأموال بـ (ثلاث) مراحل؛ أولها (الإيداع) و التي يودع فيها الغاسل متحصلاته غير الشرعية، وتجرى في الغالب في صورة إيداعات نقدية متواصلة في حساب أو حسابات بنكية بمبالغ صغيرة خلال مدة زمنية معينة. والمرحلة الثانية هي (التمويه) أو (التغطية) والتي يتم فيها إجراء عمليات (مشروعة) لإخفاء الأصل (غير المشروع) وقد تكون في صورة شراء أسهم أو سندات ثم بيعها. وفي المرحلة الأخيرة (الدمج) ويقوم الغاسل بإدخال تلك الأموال إلى النظام المالي عبر شراء عقار مثلاً أو تأسيس شركة واجهة ليسّهل عمليات غسل الأموال.
وتجدر الإشارة إلى صعوبة -إن لم يكن استحالة- الكشف عن عملية غسل الأموال عند وصولها لمرحلة (الدمج) حيث تختلط الأموال القذرة مع غيرها بعد المرور بسلسلة من التعاملات المالية المختلفة في مرحلة التمويه. ومن هذا المنطلق؛ بات واجباً نظاماً تحصين أي كيان-يمكن من خلاله إيداع الأموال- بمجموعة من الأدوات الفعالة الهادفة للتحقق من مصادر الأموال، سواءً أكان ذلك الكيان مالياً كالبنوك أو غير مالي كالجمعيات الخيرية.
وتستهل هذه الكيانات إجراءاتها، عند بدء العلاقة-فتح حساب بنكي مثلاً- بتطبيق قواعد (اعرف عميلك) بالتعرف عليه والتحقق من هويته، ويتبعها تنفيذ إجراءات (العناية الواجبة) عند ظهور أي مؤشر غير طبيعي أو نشاط غير اعتيادي؛ كأن يجري شخص تحويلات مالية لبلد ذو مخاطر مرتفعة، أو يقوم مستفيد بسداد قرض بعد مدة وجيزة من اقتراضه، أو تطلب شركة إلغاء وثيقة تأمين مصنع واسترداد المبلغ بعد شرائها بمدة قصيرة.
وفي الحالات السابقة؛ يجب أن يكون لدى هذه الجهات برامج مناسبة لتحديد مخاطر غسل الأموال المتأصلة في المنتجات، أي تلك القنوات (الجاذبة) لغاسلي الأموال لغسل أموالهم. ويتحقق ذلك من خلال وضع (ضوابط) لكل جهة حسب مخاطر منتجها بهدف تخفيف خطورة غسل الأموال إلى أقصى درجة ممكنة. كأن أن تمنع شركة مدفوعات مالية إمكانية إيداع نقدي مباشر لحساب العميل، وغيرها من الضوابط حسب منتج الشركة.
إن حصول المملكة عام 2019م على عضوية مجموعة العمل المالي (FATF) المكونة من (39) دولة فقط، لهو دليل على نجاح العمل الدؤوب المتحقق في السنوات الماضية لمكافحة الجريمة وإتباع أفضل الممارسات الدولية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال