الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بعد أزمة كورونا وما قدمته من سيناريوهات واقعية عاشها العالم وأخرى احتمالية غفل عنها، سنرى الكثير من التعديلات في مفاصل الحياة وأدوات اقتصادها، اعتمادا على الاهتمامات التي ستعيد ترتيب الأولويات. من ضمنها، سنرى سطوة التكنولوجيا التي لن تغير فقط جزء كبير في سلوكيات الشعوب اليومية، أو أجهزة الحكومات التي ستكون أكثر تحكما وترتيبا وانتاجية، بل سيكون لهذه التكنولوجيا أثر على سلوكيات الاقتصادات نفسها، مما سيسبب تغييرات جذرية تؤدي لظهور قطاعات اقتصادية جديدة، أو ضمور واندثار لأخرى.
ومما سيتأثر بشكل جذري هو عالم التجارة الإلكترونية، ويظهر بأننا على موعد مع العديد من المفاجئات – بعد مرور الجائحة – التي ستسارع في تغيير مفهوم ممارسة التجارة الإلكترونية وعلى مستوى العالم، وما نراه اليوم من إشارات ربما دلت على أن نهج “الحدائق المسورة” لن يستمر لمدة طويلة حتى يصبح من الماضي، وربما سنشهد قريبا عصر يمارس فيه نهج “حرق الحقول”، ليس فقط في التجارة التقليدية، ولكن أيضا ما أنشئ لاحقا في التجارة الإلكترونية، لأن المستقبل يحتاج نهج تجارة جديد. هو مرسوم ومخطط له في الأساس، ولكن الجائحة ستسرع في إنجازه.
قبل أيام، أعلنت شركة فيسبوك “Facebook” عن إطلاق خدمة جديدة لها تسمى بمتاجر فيسبوك “Facebook Shops” والتي من خلالها يمكن لأي شركة – بصرف النظر عن حجمها – من تأسيس متاجرها، مما يتيح لها ان تمارس التجارة على هذه المنصة والاستفادة من المنصات المشاركة تحت مظلة الفيسبوك مثل أنستجرام “Instagram” وواتساب “WhatsApp”، وبالمجان تماما.
الخدمة التي ستقدمها فيسبوك – في بيئة استهلاكية محتملة لا تقل عن 3 – 5 مليار إنسان على منصاتها الثلاث – ستجعل الكثير من أصحاب التجارات والخدمات في حل من صُداع تصميم وتأسيس منصات تجارتهم الاليكترونية، والتسويق، والبحث عن أسواق، وعن آلية دفع موثوقة أيضا.
فيسبوك – ومعها أمازون “Amazon” في اللوجستيات – تقدم خدمة ستغير قواعد لعبة التجارة الاليكترونية خاصة في مجال الخدمات كالتعليم والرياضة والاستشارات، وسيكون العائد لمقدم الخدمة هو الرسوم على عمليات المبيعات والتي ستكون رمزية على المستوى الفردي، ولكن ذات مردود ضخم على المستوى الكمي.
بالرغم من أن خدمة متاجر فيسبوك لم تتاح – حتى الآن – سوى في داخل الولايات المتحدة، الا أننا لا نعرف كيف سيكون الوضع عندما تسمح لكل الرواد من باقي دول العالم. خاصة مع التشريعات الافتراضية التي ستفرض نفسها قريبا. مثل ما حصل في دبي على سبيل المثال. فقد أطلقت دبي ما يسمى بترخيص الشركة الافتراضية في الصناعات الإبداعية والتكنولوجية والخدمات، التي ستتيح لرواد الأعمال في جميع أنحاء العالم من مزاولة أعمالهم من دبي ودون الحاجة إلى الإقامة فيها، فترخيص دبي الافتراضي سيسمح لأي رائد أعمال من أي بلد في العالم من إدارة جميع أنشطته المتعلقة بأعماله، بما فيها توقيع مستنداته وتقديمها رقمياً تحت مظلة القوانين التجارية في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهذا ربما سيجعل عملية الانتقال الى منصات تجارة عالمية مثل متاجر فيسبوك يسيرة.
فيسبوك – بقيادتها وفريق عملها ونخبها من تنفيذيين وباحثين وعلماء ومفكرين – تقدم لنا درس في استراتيجية تعظيم القيمة بخطى واثقة. المثير – والمقلق في نفس الوقت – في الاقتصاد الرقمي أنه يعطي أي كيان أو منظومة تعتمد على الاستفادة من نتائج تحليل المعلومات الكبيرة والعميقة – مثل فيسبوك وأمازون ونتفليكس – إمكانية أن تتعدى مرحلة منافسة شركات لتنافس دول في اقتصاداتها وفي عقر دارها.
لا نعرف على وجه الدقة ماذا يمكن أن يحصل، ولكن الإشارات التي أمامنا تدل على أننا أمام احتمالية عالية جدا لفتح أبواب الهجرة الرقمية – في عالم الاقتصاد الرقمي – أمام رواد الأعمال والمنشآت الناشئة، مما يعني أن اقتصادات كثيرة في هذا العالم ستضْمُر استفادتها من المنشآت الناشئة، وكثير من المنشآت الصغيرة والمتوسطة القائمة فيها، مما ينعكس سلبا – بشكل أو بآخر – على أداء هذه الاقتصادات.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال