الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أطلت جائحة كورونا المستجد على العالم ونجم عنها حجر ملايين البشر على امتداد الكرة الأرضية وإغلاق مئات الآلاف من المتاجر وكشفت لنا أهمية سلاسل الإمداد الإستراتيجية للدول والمنظمات وتأثيرها على الأمن الغذائي والدوائي، وأصبح المصطلح رائجاً في التصريحات الرسمية للدول والمسئولين بما في ذلك وطننا الغالي المملكة العربية السعودية.
نجم عن الحجر الصحي المفروض قانونياً تزايد حجم التجارة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية أضعافاً مضاعفة مما تسبب في ضغط متزايد على خدمات التوصيل المنزلي والبنية التقنية المصاحبة لها وكانت النتيجة المتوقعة هو إما تأخير الطلبات أو تعطلها أو وصولها ناقصة أو عدم مطابقتها للطلب الأصلي وهي كانت لم تكن بأفضل حالاتها قبل الحجر فضلاً عن بعده.
وهنالك وجه مشرق للأزمة تمثل في الإدراك إن التوجه للتقنية أصبح خياراً مصيرياً لا مفر منه فكما تعلمون استحوذت بنده وهي واحدة من أكبر شركات سلسة متاجر وأسواق التجزئة على تطبيق عالباب @todoorstep ليكون ذراعها التوصيلي للمستهلكين وكذلك قامت شركة مونت بلانك العالمية بتوفير خدمة الشراء والتوصيل عبر موقعها الإلكتروني الذي ظل إلى وقت قريب حصراً لعرض المنتجات وتسويقها دون إتاحة بيعها.
ومما أفرزته الأزمة التعاون بين المتنافسين “coopetition” حيث فتحت عدة شركات سلسة متاجر التغذية أشبه ما يكون بمركز تحكم وطوارئ يعزز التنسيق المشترك وتبادل المعلومات بما يضمن وصل الخدمة للعملاء وهو خيار فرضته الأزمة والأمر ذاته ينسحب على شركات التوصيل وعدة قطاعات أخرى فالمرجو أن تستمر أطر التعاون وتأصيلها بما يعود بالنفع على المستهلك.
و لا يفوتني أن أذكر التعاون و الجهد المشترك لعشرات الوزارات والهيئات والدوائر الحكومية التي وضعت نصب أعينها صحة المواطن وسلامته وأمنه الغذائي والدوائي في سلم أولوياتها و نجم عنها تبسيط لبعض الإجراءات و إلغاء لبعضها من أجل التيسير على المواطن و المقيم وإتاحة التحول للتقنية لبعض الخدمات وأثبتت هذه التجربة أهمية توفر المعلومة و مشاركتها وقتياً في جودة الخدمة و حسن اتخاذ القرار و رغم مرارة التجربة إلا أن الخبرات التي اكتسبتها المملكة في هذه الأزمة ستكون بإذن الله خير عوناً لنا في المستقبل و يجعلنا أكثر جهوزية للتعامل مع الأزمات والصدمات.
ومن الدروس المستفادة في هذه الأزمة أنه لا بد من تكامل سلاسل الإمداد وترابطها للشركة بدأً من عملية التوريد واللجوء إلى التوريد الإستراتيجي وتعزيز التعاون مع الموردين ضمن أطر إدارة علاقات الموردين و مروراً بخدمات الشحن و التخزين و النقل و انتهاءً بالتوصيل للمستهلك الأخير و بالأخص الميل الأخير و الاهتمام بإدارة علاقات العملاء من أجل خلق تجربة عميل مميزة و هذا الترابط لا يتحقق إلا ببناء الكفاءات الوطنية والاستثمار في البنية التقنية التحتية وتستمر رحلة التحول و التطور حتى الوصول إلى سلاسل الإمداد الرقمية.
وتعرف ماكينزي (McKinsey & Company) سلاسل الإمداد الرقمية على أنها تطبيق إنترنت الأشياء، واستخدام الروبوتات المتقدمة، وتطبيق التحليلات المتقدمة للبيانات الضخمة في إدارة سلاسل الإمداد ووضع أجهزة الاستشعار في كل شيء، وإنشاء شبكات في كل مكان، وأتمتة الإجراءات، وتحليل كل شيء لتحسين الأداء وخلق تجربة عميل مميزة. ولا بد من الإشارة إلى أنه في رحلة التحول إلى سلاسل الإمداد الرقمية لا بد من اختيار التقنية المناسبة و تفعليها في الشركة وفقاً للاحتياج وأثره على امتداد سلاسل الإمداد وأن يكون تدريجياً ويجري له التحليل الفني والمالي والذي يختلف باختلاف الشركة وموقعها والقطاع الذي تنتمي.
وفي الختام نتمنى أن يؤسس صندوق الاستثمارات العامة شركة وطنية متخصصة في التوصيل المنزلي وبمواصفات عالمية لتغطي النقص الحاد في السوق وتكون ذراع لوجستي للوطن وقوة ضاربة في الأزمات وهو يصب في التوجه العام للصندوق في تنويع محفظته الاستثمارية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال