الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
جائحة كورونا التي يعتقد الكثير بأننا نخرج من موجتها الأولى، كلفت العالم الى يومنا هذا ما يقارب 16 ترليون دولار، ولا نعرف متى ستنتهي أو إذا كان لها موجات أخرى. فجائحة الأنفلونزا الإسبانية – التي ظهرت في 1918 واستمرت لسنتين – كانت الموجة الأصعب فيها هي الثانية ثم الثالثة، فلا قدر الله لو أخذت جائحة كورونا الحالية نفس منحى جائحة الأنفلونزا الإسبانية، فما هو مصير العالم وكم ستتكلف اقتصاداته؟
مهم أن ندرك بأن الجائحة لم تكن لوحدها السبب فيما نراه من مواقف اقتصادية حرجة، خاصة في دول الاقتصادات الناشئة، ولكن العولمة الاقتصادية كان لها دور في تعميق الأزمة التي يعيشها العالم اليوم. اقتصادات الدول ارتبطت ببعضها البعض بشكل معقد، لدرجة لو سقط اقتصاد فربما يجر معه اقتصادات أخرى، وهذا ربما يفسر شلل مداخيل هذه الاقتصادات وفي نفس الوقت تقريبا. ومع تعطل الحياة والانتاج، وفي ظل التغير السريع الذى طرأ على حركة رؤوس الأموال في اقتصادات الأسواق الناشئة، تقدمت 103 دولة – حتى الآن – لصندوق النقد الدولي بغية الاقتراض لمواجهة ظروفهم الاقتصادية الصعبة. استجاب صندوق النقد الدولي لطلبات 60 دولة، كما جاء على صحيفة مال الاقتصادية في 29 مايو ( https://www.maaal.com/archives/20200529/145275).
بسبب هذه العولمة، فإن متابعة ما يحصل حاليا في الولايات المتحدة – على سبيل المثال – يزيد من حالة القلق، ففي ظل موجة جائحة كورونا الأولى التي حصدت أرواح أكثر من 100 الف مواطن ومقيم على أرضها، سُجِّل رسميا أكثر من 40 مليون عاطل، وحوادث الشغب الحاصلة – وإن ظهرت على أنها احتجاج لحادثة مقتل مواطن أمريكي ظُلماً – الا أن عامل الفقر مع فقدان الوظائف (وربما هناك أسباب أخرى نجهلها) له دور كبير في اشعالها، والأسواق متضخمة، و الاقتصاد الفعلي معطل، وعدد الشركات الكبرى على قائمة الإفلاس في ازدياد. وأمام هذه الحقائق، خطة الفيدرالي نهايتها غير واضحة واحتمالية فشلها واردة، خاصة مع طباعة الدولار الأمريكي “Quantitative Easing” بالشكل الخيالي الذي نراه، وهذا له تبعات خطيرة على قيمة الدولار، ويمكن أن يؤدي الى ما يعرف بحالة التضخم المفرطة “Hyperinflation مما سيكون له انعكاس على المنظومة الرأسمالية برمتها.
ومع احتمالية أن العديد من الدول المقترضة ربما لا تستطيع الإيفاء بمديونياتهم أو حتى تسديد خدمة فوائد القروض كما هو مجدول له، ومع التراكمات القديمة من الديون المعدومة وحالات شبه الإفلاس لعدد من الدول، ربما يكون العالم على موعد مع كارثة اقتصادية عاتية وقريبة جدا.
حاليا، العالم يعيش حالة انكماش اقتصادي، وما يزيد من قلقه هو أن هذا الوباء ضرب أكبر الاقتصادات العالمية في مقتل، مما يرفع من احتمالية دخول العالم كله – والعولمة لها دور فيه – مرحلة كساد اقتصادي، خاصة في حال أخذت أزمة كورونا منحى جائحة عام 1918 لا قدر الله، وهو سيناريو مرعب، وهذا ما استدعى رئيس الوزراء الإسباني الى مناشدة الاتحاد الأوروبي لتبني خطة “اقتصاد حرب”، وذلك لدعم صمود الاقتصادات الأوروبية من الانزلاق في هاوية الكساد.
ولكن بكل تأكيد العالم يتعلم الدروس القاسية من هذه الأزمة، خاصة بسبب ما أدت له الجائحة التي شلت العالم، والعولمة الاقتصادية التي ربطت مصائر الدول ببعضها البعض، فقد ظهر للجميع أن أي أزمة اقتصادية تحدث في دولة ما – تحت مظلة تأثير العولمة – يمكن أن تجعل دولة أخرى تحمل تبعات لا ذنب لها فيها ولفترة طويلة، وقد ألمح عراب السياسة الأمريكية “هنري كيسنجر” بأن تبعات الأزمة الاقتصادية الحالية ستستمر لعدة أجيال قادمة.
هذا سيجعل الكثير من الدول – وخاصة ذات الاقتصادات الناشئة – أن تحتاط من خلال الانكفاء الذاتي الذي يفي بمتطلبات أمنها الاقتصادي والاجتماعي. في المقالة القادمة – بإذن الله – سنرى ما هو التوجه الأعلى احتمالية الذي يمكن لكثير من الدول ذات الاقتصادات الناشئة تبنيه لمعالجة آثار العولمة التي عمقت أزمة كورونا اقتصاديا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال