الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الدكتور والكاتب القدير بهذه الصحيفة الغراء جمال العقاد اسعدني باتصال هاتفي الاسبوع المنصرم كما جرت العادة نخوض فيه حراكاً وعصفاً ذهنيا عن علم الاقتصاد وشؤونه المختلفة، والحقيقة انني خرجت من هذا الاتصال بقيم مضافة ونتاج فكري مستجد خلصنا منه الى ان علم الاقتصاد لم يعد ذلك العلم الذي يكرر ذاته منذ ان اسس له الاب الروحي للاقتصاد آدم سميث وقبله افلاطون وآرسطو الذين ارجعوه الى وازع اخلاقي مرتبط بالمُثل سواء كان ذلك في النظريات والمفاهيم او حتى ابعاده التطبيقية على الانشطة الحياتية المختلفة كما تحدثت عن ذلك في مقالات سابقة بهذه الصحيفة الغراء.
لا اعلم ما اذا كانت المفاهيم الجديدة التي ربطت بين الاقتصاد والعلوم الاخرى اضحت من المقررات التخصصية في الجامعات ام لاتزال العلوم المرتبطة به محدودة كالاقتصاد السياسي والقياسي والاجتماعي، ام ان هناك علوم اقتصادية تخصصية حديثة تواكب ما نشهده من متغيرات.
اليوم علم الاقتصاد بأمس الحاجة للخروج من عباءة العلاقة التقليدية الاكاديمية فأزمة كورونا ربما انها فتحت الاذهان نحو علوم أخرى جديدة تأتي من اهمها ( الاقتصاد الصحي ) فالصحة والاقتصاد التي فسرتها تداعيات كورونا تعني انه بالامكان توظيف معطيات وممكنات الصحة بابعاد اقتصادية سواء كان ذلك من جانب التوظيف الكامل لتلك الممكنات او لتعزيز الاطار الاقتصادي والاستثماري والبيئي ومفاهيمها اضافة الى البعد الاقتصادي في منظومة العاملين في القطاع الصحي اجمالا وربط انشطتها بالتقنية التي تعد مفهوما هو الاخر في ذات الاهمية اي (لاصحة بلا اقتصاد ولا اقتصاد بلا صحة)، مما سيؤدي الى تحقيق اهمية في التفاعل مع عدة ادوات اقتصادية مثل الاستهلاك، الطلب وإنتاج الخدمات والمنتجات الصحية والاستثمار فيها وكيفية تطبيق مفاهيم علم الاقتصاد الحديث على قضايا وابعاد الصحة، لذلك نحن بحاجة ماسة الى عمل اكاديمي تخصصي عن : الاقتصاد الصحي ، الاعلام الاقتصادي ، الاقتصاد الهندسي، الاقتصاد الرقمي، الاقتصاد الصناعي، الاقتصاد الإداري، اقتصاد الرياضة اقتصاد الاعمال، اقتصاد الاشياء وغيرها الكثير في خارطة الاحتياجات المستقبلية .
العدوى ، التفشي ، وغيرها الكثير تضعنا اليوم وخلال ازمة كورونا امام سؤال مفتوح: هل تعلمنا من دروس كورونا وماذا عملنا لما بعد الازمة ؟ الاقتصاد هنا هو الطرف الاهم في هذه الدروس، الاقتصاد هو الفكر الاساس الذي ستبنى عليه تجارب ومراحل اكتشاف اللقاح وسبل الوقاية المستقبلية من الاوبئة في جوانب الاقتصاد الصحي ليس هذا فحسب بل من مخاوف تكرار سيناريو الاغلاق الكبير، انه منعطف دراماتيكي فكري جديد يخوضه الاقتصاد في الصحة اولا والمستقبل ثانياً هنا تكمن اي نقاط للانتباه وقتاً ومكاناً .
ان التحول في المفاهيم الاقتصادية لا يجب ان تعيد استنساخ ذاتها هذا وان بدى الامر صعبا ومعقدا الا ان درس كورونا علّه يولّد مخاضاً اقتصاديا فذاً يفسره العالم حينها على انه خارطة طريق مثالية لنظام اقتصادي جديد مصحوباً بتفكيك للعولمة بصياغة جديدة وواسعة للتكنولوجيات ، تحولات كبيرة في المشهد الافتراضي، نماذج جديد لمكونات الاقتصاد الجزئي والكلي، تدفقات الجغرافيا الاقتصادية للسلع والخدمات واللوجستيات وفق انظمة دولية عادلة وعمل جماعي مترابط على نحو جديد من اتجاهات وكفاءة الاسواق ورفع مستوى الاستجابة للمتغيرات وحماية اكبر لسوق العمل وخاصة العاملين به وكذلك حماية سلاسل الامداد وتطوير كفاءة القطاعات الصحية لدرئ المخاطر الكبرى عن الرخاء الانساني والأمان الاقتصادي بعد اذ اضحى الاقتصاد العالمي مع كورونا هشاً وغير مستدام.
الاقتصاد هو الاساس الحياتي وعندما نريد ان نبني بكفاءة هذا الاساس الحياتي لابد من بناء الفكر الاقتصادي المرتبط بكافة العلوم والانشطة والتي تشكل الأساس لاقتصاد الأشياء Economy of Things من خلال شبكات القيمة الجديدة عبر التقنية والصناعة ونماذج الأعمال وكافة القطاعات الأخرى بما فيها جزئيات الاستهلاك، الادخار وكافة القيم الاقتصادية التي تتعلق بسلوك الفرد الاقتصادي وثقافته الاقتصادية بكافة جوانبها الرقمية والتقنية وغيرها.
مجمل القول: رحلة الاقتصاد مستمرة مع الانسان حتى في منامه تدق الساعة ٢٤ اقتصاد ، اقتصاد ( كل الاشياء ) ، فالاقتصاد لا يعني الانفاق ولا يعني التوفير فحسب الاقتصاد هو علم يهدف الى حل جوانب واطراف المشكلة الاقتصادية اينما تكون هو ان يوظف كافة العناصر الانتاجية ويبتكر عناصر جديدة تعمل باعلى طاقتها وبأقل تكلفة وهو العلم المتغير والمرن لكل عصر وعبر العصور القديمة وهو مرتبط اليوم بعلوم جديدة مثل الطب، الهندسة، التقنية، العلوم العسكرية، توظيف الاقتصاد المعرفي بمفهومه الشمولي، الاقتصاد هو رهان المستقبل متى ما كان الخيار الاول ليكون في كل شيء علماً ونشاطاً !
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال