الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
فتح زيد نافذة غرفته ليستنشق نسمات الصباح بعد مرور أيام طويلة من الحجر المنزلي وتوقف الأعمال التجارية التي كان يعتمد هو و والده وجده طوال حياتهم عليها، ويطبقون من خلالها Business Model نموذجاً تجارياً فريداً حيث يحصلُون ايراداتهم على صورة مبالغ شهرية ثابتة من كل عامل من العمال الـ 500 الداخلين للمملكة بكفالتهم والذين تحولوا فعلياً إلى عمالة سائبة كان زيد يعاملهم معاملة رواد الأعمال الثقات! من ناحية التمكين وصولاً إلى التستر والتغطية على أعمالهم حتى الغير قانونية منها.
حرفياً لا يجيد زيد اي مهارة الا السفر ولعب الورق “البلوت” وسرعة البديهة في الرد على المزحات. فكل شيء يسير بانسيابية منذ عشرات السنين بل منذ ولادته التي كانت (رزقاً) على حد قول والده الذي حكى له قصة تزامن ولادته مع حصوله على خطاب تأييد اصدار تأشيرات لعدد 200 عامل لمشروع وهمي من الباطن. وعند كل احتفال بعيد مولده يتذكر زيد كلام والده عبيد عن ذاك المشروع الوهمي والعمالة التي تم (تسريحها) في الشوارع لتبحث عن رزقها الحرام من دم أبناء البلد.
جاءت جائحة كورونا وأصبحت عمالة زيد تطالبه بتسهيل امورها لمغادرة البلاد وترفض بشدة دفع (الاتاوة) الشهرية بل وهدد بعضهم بإبلاغ السلطات عنه بأنه يجبرهم على العمل الفردي والتستر التجاري. توالت النكبات و زيد ينظر إلى حديقة منزله واشجارها الوارفة والتي قد يخسرها كما قد يخسر التأشيرات واهلها. وكان لابد من وقفة توضح روح القيادة المتوارثة في العائلة.
صعد زيد على المسرح الذي كان يضج بالعمالة الآسيوية السائبة والذين تجمعهم فقط (كفالته) وكفالة والده عبيد، وبدأ زيد حديثه مع ترجمة فورية بلغات الحضور قائلاً: “لقد اعطيناكم فرصة العمل الحر في بلدنا وضربنا بالأنظمة والتعليمات عرض الحائط من اجلكم واليوم حان الوقت لتردوا لنا الجميل بالصمود والاستمرار إلى حين مرور هذه الجائحة العالمية وبهذه المناسبة سيتم اعفائكم من دفع الاتاوة الشهرية لابريل ومايو وهي مكرمة غالية من الوالد القائد الشيخ عبيد” وحينها تعالى التصفيق وصعد مجموعة من العمالة إلى المسرح لاحتضان الثمانيني العجوز والصراخ بلغات مختلفة جعلت زيد يسحب والده من أيديهم بصعوبة ليخرج من القاعة المزدحمة القذرة إلى سيارتهم الفارهة.
مع اول نسمات الصباح دخل الشاب العشريني فارس الى غرفة والده زيد مهرولاً وهو يلهث بوجه شاحب: “توفى جدي عبيد لقد دخل ليلة أمس إلى العناية المركزة، فايروس كورونا قتله”. جحظت عينا زيد وطلب من فارس ان يخرج فوراً.. وتوجه بحزم إلى مكتبه الفخم في قصره المهيب وضع كفيه على وجهه فاجهش بالبكاء والعويل كطفل فقد لعبته. في تلك الاثناء تذكر كيف استأجر بيوتاً شعبية قذرة بعضها لا اسقف فيها ولا صرف صحي لعمالته عند دخولهم للبلاد. وتذكر دموع عامل أصيب بمرض معدي قبل عدة سنوات وتركه زيد في ذات السكن لينقل العامل العدوى لثلة آخرين بلا أي إنسانية.
وتذكر اتصال وبكاء ابن العامل الذي توفى وبقي في ثلاجة مستشفى لأسابيع حتى يتم نقله إلى بلاده. ثم تذكر أنه مؤخراً كان يعلم جيداً ان بعض عمالته مصابون بفايروس كورونا وتركهم يتخالطون في منازلهم الضيقة وفي الحفل المشؤوم أيضاً!.. حتى تسببوا بقتل والده. كلما تذكر ذلك زاد انهمار دموعه وضاربا بكفوفه وجهه ورأسه وليعترف بأنه كان جزءاً من مرحلة عصيبة من حياتنا، سيفتح بعدها باب الامل بمستقبل زاهر.. بلا تجار تأشيرات.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال