الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
نعاني في معظم القطاعات والمؤسسات الرسمية والخاصة وحتى في أعمالنا الشخصية من عدم الإتقان. ففي الغالب يتم تنفيذ العمل بالحد الأدنى الذي يمكن لمنفذه القول إنه أدى عمله. والحديث الشريف “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه” يشير بوضوح إلى أن إتمام العمل ليس المهم بل إتقان التنفيذ هو الأهم.
أتيحت لي الفرصة للتعرف على الشباب السعودي عن قرب داخل النظام التعليمي السعودي في أكثر من خمس مناطق تعليمية من ضمنها الرياض ومكة وجدة. وكانت الصفة المشتركة بينهم الذكاء الحاد. كما أتيحت لي فرصة مشاهدة الشباب السعودي وغير السعودي ضمن نظام تعليمي خارج المملكة. وكانت الصفة المشتركة لغير السعوديين الحرص على أداء العمل على أفضل وجه ممكن. وشاهدت بوضوح كيف أن الذكاء الحاد للشباب السعودي لم يميزهم على غير السعوديين في المستوى الدراسي، بل على العكس إن حرص غير السعوديين على تنفيذ المهام والواجبات على أكمل وجه وبدقة متناهية تفوق على الذكاء مع العمل بالحد الأدنى للإتقان.
الأسباب لعدم الإتقان كثيرة ومتداخلة وبعضها معقد، لكن المشكلة الأكبر برأيي موجودة في النظام التعليمي، لأن ما يتربى عليه الطالب يمارسه المواطن. وتتمثل تلك المشكلة في (قلة تكرار المهارات، وضعف ممارستها). فما هي الأسباب لحدوث تلك المشكلة المركبة والتي أدت إلى عدم الإتقان في التعليم أولا ثم في كافة جوانب الحياة العامة ثانيا.
كثافة المواضيع والمهارات في كل منهج دراسي يحد كثيرا من قدرة المعلم والطالب على حد سواء لإعطاء الوقت الكافي لكل موضوع ولكل مهارة. وهذه الإشكالية ربما تكون أكثر وضوحا في المرحلة الابتدائية تحديدا. لكنها موجودة في المراحل الأعلى أيضا. فأصبح المعلم يلاحق إنهاء المنهج بدلا من متابعة إتقان الطالب للمهارات.
الإشكالية السابقة كان من الممكن تخفيف أثرها لو أن التكامل بين المناهج بالدرجة الكافية، بحيث تستفيد كل مادة من الأخرى في تكرار مهاراتها بالقدر المناسب. لكن واقع مناهج التعليم أن كل مادة أو مجموعة مواد تحلق في فضاء مختلف عن الأخرى. والسبب بكل بساطة أن كل منهج أو مجموعة مناهج مؤلفة على حدة بعيدا عن المناهج الأخرى تماما. لذلك لا يمكن أن يحدث التواصل بينها بما يخدم بعضها بعض في تكثيف تكرار وممارسة المهارات. بل إن بعض المناهج من الهشاشة والضعف تنافر مواضيعها مما يضعف الإتقان.
والأسوأ في بعض حالات المناهج أن التمارين والتدريبات لا تخدم فعلا مهارات الدرس نفسه بالشكل الصحيح. وذلك من جانبين إما أن تكون التدريبات والتمارين ضعيفة جدا ولا تساعد على إتقان المهارة، أو أنها بعيدة عن مهارات الدرس أصلا. وعدم وجود آلية داخل التعليم تساعد المعلم على الاستعانة بالمصادر الخارجية لتكثيف تكرار المهارات وممارستها، عمق تأثير هذه الحالة.
السبب الأكثر تأثيرا في مشكلة ضعف التكرار والممارسة التي أدت إلى عدم الإتقان هو عدم رغبة بعض المعلمين والطلاب وأولياء الأمور في تحمل مزيدا من الجهد من خلال تكثيف الواجبات المنزلية، والاكتفاء بالحد الأدنى منها. والواقع أن هذا السبب يعد عيبا كبيرا في النظام التعليمي السعودي، وقد أصبح بشكل أو بأخر ثقافة مجتمع غير راغب في تحمل ضغوط العمل الصعب وفي مقدمتها الدراسة. وإن رغب بعض المعلمين في تكثيف الواجبات المنزلية سواء من المنهج أو من خارجه لتعزيز اتقان المهارات، فإنه يواجه برفض من معظم الطلاب وأولياء الأمور. وقد رأيت من أولياء الأمور من يطالب بنقل أبناءه من فصول المعلمين من هذا النوع.
أخيرا نظام الاختبارات الذي يعتمد بشكل أساسي على الاختيار المتعدد في جميع المراحل التعليمية. وهذا النظام يوحي بالسهولة وتقريب الحل للطالب مما يجعل فكرة الإتقان غير مهمة في ذهن الطالب. وتهاون الطلاب بالاختبارات الموضوعية جلي ويعرفه القريبون من الطلاب.
الإتقان أساس الجودة، والجودة عماد التنمية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال