الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أصدر معالي وزير العدل أخيرا قرار يتعلق بضوابط توثيق الملكية المشاعة في الصكوك العقارية، وذلك لتحسين إجراءاتها بما يضمن المحافظة على حقوق جميع الشركاء في العقار، وهذا أمر محمود، ولا شك أن فيه مصالح كثيرة للملاك تراعي النواحي النظامية والشرعية والقانونية. ولكن الملاحظة التي يشكو منها قطاع عريض من المواطنين أن هذا القرار لم يفرق بين الأراضي العقارية (السكنية/التجارية)، والأراضي الزراعية.
ولا شك أن التفرقة والتمييز بين الحالات مطلب شرعي ونظامي، إذ لا يمكن تعميم أوضاع الأراضي على السكنية أو الصناعية الزراعية وغيرها، نظرا لاختلاف الظروف، والمنطلقات. لفظة عقاري كلمة فضفاضة، ولا تعطي معنى دقيق، ولتفرقة ذلك نحتاج أن نقول: العقارات السكنية، العقارات التجارية.. وهكذا.
لتكون الصورة أوضح، نحتاج أن نعيد القارئ الكريم للتاريخ قليلا، فخلال السنوات العشر الماضية، وفي ظل توجهات الدولة لتقليل استنزاف المياه، عمد البعض إلى تجزئة الملكيات الزراعية (المملوكة بصكوك شرعية) لتكون بمساحات أقل، حيث تتداول بين الأفراد، وغالبا تكون مساحاتها بين 10 آلاف متر مربع كحد أدنى. وهكذا تحولت بعض المزارع الكبيرة إلى حيازات أصغر، وأصبح أغلبها يعتمد على الري بالتنقيط، وتم الاستغناء في مناطق كثيرة عن الرشاشات المحورية التي تستنزف المياه.
لكن تملك هذه القطع الزراعية المملوكة أصلا بصكوك شرعية لمن تملك بالشراء أو بالوراثة اصطدم بموضوع الملكية المشاعة. يبدو أن المخاوف السابقة كانت في أن تتحول إلى مخططات سكنية عشوائية، وهذه مخاوف مبررة يمنعها وجود ضوابط لدى وزارة البلديات في تحولها إلى مخططات سكنية، وهي ضوابط معروفة، بل إن هناك من يشكو من صرامة هذه الإجراءات. لذلك فإن هذا الفرض يسقط بهذه الضوابط.
في فترة تالية سمحت الوزارة بفرز كل قطعة بصك منفرد يذكر فيه أنه ملكية مشاعة من الصك الأساس ويذكر فيه المساحة فقط. وفي الفترة الأخيرة نصت الضوابط على “توثيق جميع الملكيات المشاعة للشركاء كافة (ملاك العقار) في صك واحد، ولا يستقل أحد الملاك بصكٍ منفردٍ، على أن يزود كل مالك بنسخة من الصك تتضمن عبارة (تعد كامل مساحة العقار مشاعة بين الملاك وغير محددة بجزء معين من العقار، ولا يفرز أو يجزأ إلا بعد إكمال المتطلبات النظامية)”. ولنفترض أن أربعة أشخاص أو أكثر أو أقل اشتروا أو ورثوا مزرعة مساحتها 400 ألف متر مربع، مملوكة بصك شرعي، فما المانع من تجزئتها لهم بما أنهم شركاء فيها. لماذا يفرض عليهم (نص) لا يطابق الواقع وربما يخلق إشكالات قضائية ونظامية جديدة.
من يعرف القطاع الزراعي جيدا، يؤمن بأهمية تصغير الحيازات الزراعية، بحيث تكون مركزة وتتوافق مع التوجهات الجديدة في ترشيد المياه، وزيادة الإنتاج، والاعتماد على البيوت المحمية. وفي تجربتنا خلال أزمة كورونا ما يدعونا إلى سرعة حل هذه الإشكالية، لاستثمار الحيازات الصغيرة في تعزيز الأمن الغذائي في المملكة، ولعل ذلك بحاجة إلى تدخل وزارة البيئة والمياه والزراعة. إن فئة كبيرة تستطيع أن تساهم في قضية الأمن الغذائي من خلال ملكياتها الخاصة، ففضلا عن قدرتها على رفد الأسواق، وتوفير كميات من الأغذية والمنتجات، فإنه يكفيها أن تنتج احتياجاتها، وتقلل من الطلب على الواردات الزراعية التي تستنزف مبلغا كبيرا من الاحتياطيات المالية التي بلدنا في أمس الحاجة لها حاليا.
الصورة يجب أن ينظر لها بكافة أبعادها، وليس فقط من زاوية واحدة. هي قضية نظامية وشرعية، وغذائية، واقتصادية ومالية. لذلك فإن حشر كافة استعمالات الأراضي في مفهوم واحد أمر يحتاج إلى إعادة نظر. ولا اعتقد أننا بحاجة لاختراع العجلة من جديد.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال