الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
وها أنا ذا أكرر، قرار يحمل سمات البطولة، ذاك الذي وقعه ترمب، ويعد أمرا تنفيذيا موجها لفروع الحكومة الفدرالية في أمريكا، ويقضي إلزاميا بالتركيز على المهارات بدلا من الشهادات الجامعية في اختيار الموظفين الحكوميين.
أقول قولي هذا ونحن أشد من تضرر من توظيف الشهادات على حساب المهارات، وعاشت المملكة عقودًا وهناك من يتبنّى يقينًا أن حملة حرف الدال هم الأحق بالمناصب الحكومية العليا بدءًا من (وزير)، وترسخت هذه القناعة خلال اربعة عقود ونيف الماضية، وللأسف.. دفعنا ثمنها غاليًا في أحيان كثيرة، إداريا وتنمويا.
ولعل ما رسخ استحقاق “الدكاتره” لهذه الوظائف في ذهن مستشاري التعيينات آنذاك هو ظنٌ ساد زمانًا، ويقول:”إذا الدكتور غازي كذا.. فكلهم كذا!” متناسين أن أبا سهيل كان “حالة استثنائية”، فالدرجة العلمية كانت أحد أوراق لوحة كولاج بديعة تجمع الشاعر والروائي والمثقف، قبل الباحث الذي توج مسيرة علمية بدرجة الدكتوراه، وقد دوّن القصيبي عبارة خالدة في هذا الشأن حين قال: “لن تتذكرني الناس كوزير أو سفير، إن تذكروني فستكون هذه الذكرى لغازي الشاعر والروائي” !
ولماذا نغوص في تاريخ الإدارة السعودية و لا أسرد لكم قصتي أنا؟ فقبل 11 عاما كنت أشغل وظيفة مدير عام الإعلام تحت مظلة إحدى الوزارات، والتعيين جاء بعد التقديم النظامي وبناء على الوفاء بمتطلبات المؤهل العلمي ناهيك عن خبرات متراكمة في هذه الصناعة العملاقة، وأديت واجبي لسنوات بما استدعى محبة الناس و تقديرهم وثناء المسؤولين بمن فيهم سمو الوزير _الله يذكره بالخير.
في العام التاسع من وجودي في هذا الموقع، لاحت لي فرصة للترقية في نفس مكان العمل تتيح القيام بدور استراتيجي في الجانب الإعلامي، ومحسوبكم حينها كان من حملة الماجستير، ولكن فوجئ كل من في المؤسسة بتعيين شاب صغير كان للتو قد عاد من ابتعاثه لنيل الدكتوراه، وخبرته في الإعلام ((لا يوجد!!))، وحتى تخصصه الدراسي لا صلة له بالإعلام أو العلاقات العامة، كل ما يميزه أنه كان طيبا وخلوقًا، و “معاه دكتوراه” وربما هذا هو مكمن الاختيار كما يحبذ القيادي الذي كان يرأسنا جميعا.
طبعا تصرف كهذا دفعني آنذاك للبحث عن مكان بديل، لأن هذا الشاب وعندما كنت أنا مديرًا عاما للإعلام في موقعي كان هو (غالبًا) من طلاب مرحلة البكالوريوس.. وكنت ولا زلت أرى أن هذا لا يليق، فالإدارة العليا الواعية يجب أن تختار في الوظائف النوعية التي تطرح للمنافسة شخصا ذو مهارة ليحتل مكانة تليق به كعنصر كفء في نظر الفريق الذي سيعمل معه، ناهيك عن أن خبرته المهنية توازي وزنها ذهبًا،، وإن لم تستطع-هذه الجهة أو تلك تعيين من يستحق بسبب حاجتها الغير مفهومة لـ “الحواق”، فعليها أن تحمي الخبرات بتوفير منطقة آمنة لهم بعيدًا عن هذا الهراء والـ “عك” في التعيينات.
وفعلا رحلت من هذا المكان بكل ود واحترام، سيّما وأن الإدارة العليا اكتشفت أنها “جابت العيد” وعادت تطلب من مكتبي كل ما يفترض أن يقدمه غيري، وهنا يبدأ تأصيل الظلم كما تبدأ المشاكل والغيرة واللوبيات.. شئنا أم أبينا! فبيئة العمل في العادة ستنقسم إلى شقين، فئة غير راضية عن التعيين الجديد وستقاومه حتى آخر رمق، وفئة ستطبل للقادم الجديد لاغتنام فرصة هنا أو هناك.. وحتى أعفي نفسي من هذه وتلك وأتفادى دور بغيض اسمه (حلال المشاكل) ، تمسكت بحقي في المغادرة، وغادرت محبوبا كما جئت.. راجيا للزميل كل التوفيق ومن كل قلبي.
الشاهد في كل هذا، طيف الوظائف المفصلية والنوعية في إدارات الدعم والمساندة مهول جدًا، وهذا الطيف الهائل أحوج ما يكون للمهارات والخبرات وليس للمؤهلات الدراسية التي يشترك فيها عشرات الألوف من الناس المتميزين وعديمي التميز، وعلى سبيل المثال في جانب التخصصات.. سجّل عندك: إعلام، تسويق، تقنية معلومات، موارد بشرية، خدمات عامة، دعم إداري، تشغيل، صيانة، إمدادات، وغير ذلك الكثير.. ومن باب التخصص والخبرة الطويلة، سأحدثكم في المقال القادم عن القيمة الإدارية والاقتصادية لقرار ترمب في وظائف الإعلام والتسويق الحكومي على سبيل المثال لا الحصر، بحكم خبرتي الطويلة فيهما ونظرا لاتساع مظلتهما وتشعب التخصصات المتعلقة بهما.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال