الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تحظى التجارة بخصوصيةٍ كبيرةٍ تُميُّزها عن التعاملات المدنية العادية، ويكمن جوهر الاختلاف في الهدف المنشود من التعامل وفي طبيعة أشخاصه.
فالتعامل المدني يهدف إلى نقل الحقوق والالتزامات مثل بيع وشراء المنازل، أو إنشاء التزامٍ جديدٍ مثل الدين، أمَّا التعامل التجاري فهو يهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق الربح.
بناءً عليه، فإنَّ الدول تقوم بإصدار أنظمة خاصة بالتجارة بحيث تفرض قواعداً أكثر مرونةٍ وسرعةٍ من قواعد التعاملات المدنية التقليدية؛ ذلك لأنَّ التجارة تعتمد على تدوير رأس المال حتى يتشكَّل الربح، الأمر الذي يفرض الحاجة إلى التيسير في التعامل بدرجةٍ أكبر من الحاجة إلى ضمان أمان المتعاملين الذي تسعى إليه أنظمة التعاملات المدنية.
حيث تلعب شخصية التاجر أو المتعامل بالتجارة دوراً في تخفيف حماية القواعد التجارية له في مقابل تسريع أعماله وزيادة أرباحه، ذلك بالنظر إلى درجة الوعي والمهنية التي يتمتَّع بها مجتمع التجار والممارسين للأعمال التجارية عادةً.
وعندما يحدث نزاعٌ تجاريٌّ، فهنا يتمُّ تطبيق القواعد التجارية من القاضي بغرض حل النزاع وفق المرونة والسرعة التي تفرضها طبيعة التجارة، لكن تظهر المشكلة أمام المحاكم بخصوص إجراءات المرافعات التقليدية الطويلة التي لا تتناسب مع قواعد التجارة، تلك الإجراءات التي قد تدفع التجار إلى اللجوء للتحكيم.
ومن هنا، كان لا بدَّ من فرض نظام خاص بالمرافعات التجارية، فكان نظام المحاكم التجارية بتعليماته التنفيذية الجديدة، ويبدو من أنَّ أهمِّ القواعد المُميَّزة التي ترتبط بالمستثمر الأجنبي:
*أفضلية التطبيق هي للاتفاقيات الدولية على الأنظمة الوطنية (م.2)؛ وفي هذا تشجيعٌ كبيرٌ للاستثمار الأجنبي المباشر الذي يخشى تطبيق القانون الوطني عليه حتى في حال وجود اتفاقية دولية تحكم التعامل. ستُشكِّل هذه القاعدة أفضلية للمحاكم الوطنية على مراكز التحكيم الأجنبية في حال وجود اتفاقية دولية تجعل المستثمر الأجنبي مطمئناً لانطباقها على النزاع التجاري حتى أمام المحاكم الوطنية.
*قبول المحكمة أية ترجمة يُقدِّمها أطراف النزاع (م.4)، بشرط عدم اعتراض الطرف الآخر، ذلك حتى وإن لم تكنْ الترجمة مُعتَمَدَةً، وفي هذا تسهيلٌ كبيرٌ لإجراءات حسم النزاع مع المستثمر الأجنبي؛ لأنَّ الطرف الآخر يعرف أنَّه إن اعترض على الترجمة فإنَّ الطرف الأجنبي سيُقدِّم ترجمةً مُعتَمَدَةً، فإذا كانت الترجمة الأولى مقبولةً سيتجاوز الطرفين مدة التأخير التي تحتاجها الترجمة المُعتَمَدَةً.
*تسهيل إجراءات المرافعات وفق اتفاق الأطراف (م.9)، حيث إنَّ المستثمر الأجنبي قد يُرفقُ العقد الذي يُبرمهُ مع جهة الاستثمار الوطنية بملحقٍ خاصٍّ يتمُّ فيه تنظيم إجراءات التقاضي في حال نشأ نزاعٌ حول العقد، وفي هذه الحالة يتمُّ تطبيق الإجراءات الاتفاقية المكتوبة، وهذا ما سيشجِّع المستثمر الأجنبي على قبول حسم نزاعه أمام المحاكم الوطنية بدل مراكز التحكيم التجارية.
*فرض التقاضي الالكتروني بشكل إلزامي (م.23)، حيث يجب أن تكون إجراءات التقاضي خاضعةً لأنظمة وزارة العدل عبر البيئة الإلكترونية، تلك البيئة التي تُشكِّل مناخاً جاذباً للمستثمرين الأجانب الذين يعرفون مدى مرونة وسرعة التقاضي الالكتروني، ويُزيلُ أية مخاوفٍ لديهم من روتين العمل القضائي الورقي التقليدي.
*السماح بالترافع عن بعد (م.29)، حيث يمكن تسجيل الحضور العلني والمناقشة وجهاً لوجه مع الخصوم ومع المحكمة عبر وسائل الاتصال التي تُقدِّمُ خدمة الاجتماع الافتراضي، هذه القاعدة تُشكِّل ميِّزةً كبيرةً للمستثمر الأجنبي، خاصَّةً بعد انتشار جائحة كورونا.
*إتاحة فرض السرية على بعض أوراق الدعوى التجارية (م.50)، حيث تملك المحكمة فرض حاجزٍ من السرية على أوراق الدعوى بناءً على طلب الخصوم، واعتبار هذه الأوراق سريةً مؤقتاً لحين الفصل بالطلب، حيث تُشكِّل السرية جزءاً كبيراً من قواعد ممارسة التجارة؛ لأنَّ المنافسة تفرض على التاجر حماية أسرار تعاملاته التجارية، خاصَّةً ما يتعلق منها بعلاقاته ومصادره وامتيازاته التي يخشى انكشافها أمام منافسيه. لذلك تُشكِّل هذه القاعدة ضمانةً كبيرةً للمستثمر الأجنبي حتى يأمن على سرية وثائق المنازعات التجارية التي يخوضها أمام المحاكم الوطنية.
وبالنتيجة يمكننا القول بأنَّ نظام المحاكم التجارية بتعليماته التنفيذية الجديدة بات يُشكِّل نقلةً مُهمَّةً في اتجاه تهيئة المناخ المناسب لجعل المملكة قبلة للمستثمرين الأجانب، ليس فقط على مستوى التسهيلات التجارية والائتمانية لقيام مشاريعهم، بل أيضاً على مستوى بث الطمأنينة في نفوسهم بخصوص مرونة وعدالة وانضباط قواعد المرافعات أمام المحاكم التجارية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال