الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
جائحة فيروس كورونا أحوجت دول العالم النامية الى طرق أبواب الدول المتقدمة علميا لإيجاد حل لهذا الفيروس ومحاربته، وجعلتها تهرع لهم لكي تساعدهم اقتصاديا وماليا، مما فتّح عيون هذه الدول الى أن قدرتهم على الوقوف في وجه الكوارث مستقبلا ربما لن تكون مضمونة النتائج – في حال تخلي الدول الكبرى عنهم – والقدرة على البقاء ستكون مرتبطة بمدى قوتهم الذاتية العلمية والاقتصادية، وهذا يعني أن هذه الدول النامية تحتاج الى مجموعة من المنظومات التي تؤهلها لدعم تطورها، وخاصة المنظومة التعليمية الجامعية المتقدمة قبل أي شيء آخر.
أغلب هذه الدول النامية تعاني حاليا من عجز منظوماتها التعليمية الجامعية، الا أن الجائحة أتت بفرصة التخلص من الأسلوب التقليدي في التعليم، الذي أصبح أكثر سهولة في الوصول اليه اليوم، خاصة مع التقدم المذهل في وسائل الاتصالات مما يطوّر مهمة جامعاتها، فتتحول القاعات للنقاشات العلمية العامة والفصول للحوارات المتخصصة، والمعامل للبحث والتجارب والاكتشافات. ومتى تمكّن الأستاذ الجامعي من فرصة أن يمارس دوره الحقيقي كموجه في الحوار ومرشد في البحث العلمي بدلا عن التلقين، ستتمكن هذه الجامعات في وضع لبنات المعرفة التراكمية الحقيقية لبناء اقتصاد معرفي، ويكون تواجدها له أسبابه الوجيهة.
إلا أن التحدي الحقيقي أمام الجامعات في الدول النامية سيكون قائم، وهو أن هذه الأبحاث والحلول التي ستخرجها في شكل منتجات لا تكفي بدون دعمها بمنظومة منشآت صغيرة ومتوسطة ضمن القطاع الخاص في الصناعة والخدمات التقنية، فمازال أمامها مهمة تأهيل أجيال لدخول عالم المال والأعمال، إلا أن الشك والقلق حول قدرة جُل هذه الجامعات في هذا المجال تزداد مع مرور الوقت. فبالرغم من أن كثير من هذه الجامعات تدّعي أن لديها برامج تعليم وتدريب على ريادة الأعمال لتعزيز مهارات الأجيال الجديدة كرجال ونساء أعمال والنجاح في بدء مشاريعهم، لا يزال الكثير ممن قرروا دخول هذا الميدان يجدون صعوبة في بدء أعمالهم، مما يدل على أن وضع التعليم والتدريب على ريادة الأعمال ما زال متواضع في جامعات الدول النامية.
لذلك على الجامعات – التي قررت أن تبقى في المستقبل – أن تعمل على ألا تسمح باستنزاف ميزانياتها في التعليم التلقيني ولكن الاستثمار في البحث العلمي، والبعد عن أبحاث وبراءات اختراع لا تغني ولا تسمن من جوع، مما يفيد الباحث فقط في مسيرته العلمية والوظيفية أو ترتيب الجامعة بين نظيراتها لأغراض دعائية، وليس للمجتمعات والاقتصادات التي من المفترض خدمتهما، والتركيز على ما هو قابل للتطبيق ومجدي اقتصاديا.
أيضا هذه الجامعات – في مجال التعليم والتدريب على ريادة الأعمال وإنشاء المنشآت – عليها أن تتخلص من مفهوم التعليم التلقيني الصارم القائم على الانضباط – حسب تعريف كثير من المنظومات التعليمية البالية في الدول النامية، وتعمل بجدية على اعادة تصميم وهيكلة مكونات المعرفة التي يجب أن تحتويها برامجها في هذا المضمار، بما يتماشى مع ظروف ومتغيرات الأسواق، وما يتناسب مع متطلبات مجتمعاتها واقتصاداتها.
العالم أدرك ثلاث حقائق بسبب الجائحة، الأولى هي أن الغذاء والماء والدواء والطاقة والسلامة أهم من أي شيء. ثانيا، جرب العالم – أثناء الحجر بسبب الجائحة – أن يتنفس الهواء النقي ورأى زُرقة السماء بعد أن توقفت أدخنة المصانع، وأيضا وسائل النقل المعتمدة على الوقود الأحفوري بسبب الحجر العالمي، مما يعني أن موضوع البيئة سيأخذ حيز اهتمام وتشريعات أكبر، أما ثالثا، فقد أستيقظ العالم على حقيقة أن الجوائح والكوارث يمكن أن تحصل في أي لحظة وتطيح بأي اقتصاد وفي غضون أيام، ونجاح أي دولة نامية من عدمه مرتبط بماهية منظومتها الجامعية سواءا في البحث العلمي أو ريادة الأعمال كما في الدول المتقدمة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال