الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
قبل 31 ديسمبر من 2017 لم يكن السعوديون يعرفون شيئا عن ضريبة القيمة المضافة، كانوا يسمعونها حينما يسافرون الى الخارج وخاصة البلدان الغربية، ومع ذلك كانوا يتعاملون معها ، من خلال تسوقهم ومشترياتهم وحتى في المطارات وفي الفنادق وغيرها من الأماكن السياحية ، ولم نسمع أن سعودي تذمر أو تضجر من المبالغ التي التي يدفعها.
بل أن الكثيرين يفضلون التسوق من دول أخرى عن الأسواق المحلية، وحينما تم فرض ضريبة القيمة المضافة في مطلع 2018 بنسبة 5 في المائة وهي النسبة الأقل من بين العديد من الدول المتقدمة سواء في أوروبا وأمريكا واسيا، وقتها ارتفعت أصوات عديدة مناهضة للمشروع، وهذا امر طبيعي أن ترتفع مثل هذه الأصوات خاصة وان السعوديين اعتادوا طيلة العقود الماضية أن تبقى القيمة المضافة بعيدة عنهم، يسمعون عنها ولا يريدون أن يروها مطبقة في بلدهم.
وبعد فرض الضريبة، رافقتها العديد من البرامج التي اطلقتها الحكومة منها حساب المواطن، وعلاوة ارتفاع تكلفة المعيشة ونشط العديد من المبادرات التي تمكن المواطن من الاستفادة من المشاريع التنموية، فكان هناك توزان في الإنفاق الحكومي وتجويد المشروعات المنفذة واصبح المواطن شريك مهم ورئيسي ويستطيع أن يطرح تساؤلا أو ينتقد عملا غير مكتمل ورفع كفاءة أداء الإدارات الحكومية، وبالفعل ضمن رؤية 2030 وبرنامج مكافحة الفساد وملاحقة تجار التأشيرات وخلق فرص عمل للسعوديين، وغيرها من البرامج التي رافقت الرؤية وجعلتها معيار مهم للحياة.
خطط الحكومة كانت تسير وفق برنامج معد ومرسوم مهيأ لتحقيق برنامج الرؤية، وحققت عالميا مستويات متقدمة في العديد من المبادرات وحصلت على الثناء والتقدير من منظمات عالمية، ولم يكن في خلد الحكومة أنها سوف تلجأ الى زيادة ضريبة القيمة المضافة، فهي استطاعت خلال فترة وجيزة أن تقطع شوطا كبيرا من إعادة أنظمتها الاستثمارية وتشجيع المستثمر الأجنبي وجذب الرساميل وقدمت الكثير من التسهيلات للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وخلقت فرص عمل للجنسين وأدخلت أنشطة جديدة لم تكن في أذهان السعوديين أنها ستتحقق مثل فتح باب السياحة أمام الأجانب وتفعيل وتنشيط البرامج الترفيهية وتنفيذها بأعلى جودة.
في أبريل من هذا العام، كان من المتوقع أن يحتفل السعوديين بمرور أربعة أعوام على انطلاق رؤية 2030 وبرامجها المتعددة والنجاحات التي تحققت، ألا أن العالم تفاجا بفايروس كورونا الذي ظهر لأول مرة في نوفمبر 2019 لرجل يبلغ من العمر 55 عاما في مقاطعة هوبي القريبة من ووهان الصينية، وبعدها بدا ينتشر في جميع أنحاء العالم كالنار بشكل سريع ومن غير انضباط، وكان من الضروري على السلطات أن تتحرك لحماية مواطنيها وسكان هذه البلاد، وبالفعل رصدت الحكومة السعودية اكثر من 300 مليار ريال لمواجهة “الجائحة” واطلقت العديد من المبادرات لتخفيف أثار هذه الجائحة وبالعفل كل الخطوات التي اتخذتها حظيت بإشادة من منظمة الصحة العالمية .
إنما تعالوا نعود الى الحقيقة، لماذا اضطرت الحكومة السعودية الى رفع ضريبة القيمة المضافة الى 15 في المائة ومتى اتخذت هذا القرار، حاولت الدولة أن تضغط على نفسها حتى لا تضطر لاتخاذ القرار الصعب، خاصة مع تدهور أسعار النفط في الأسواق العالمية وتوقف الأنشطة التجارية وفرض تقييد الحرية على الأشخاص من اجل حمايتهم، ومع كل هذه الضغوطات التي واجهتها الحكومة، إلا أنها استطاعت أن تحتوي الأزمة باحترافية ومهنية عالية، وما كانت ستلجأ لاتخاذ قرار زيادة الضريبة لولا إنها وجدت نفسها من المهم والضروري حماية اقتصاد البلد والحفاظ على دورة رأس المال، خاصة واننا لسنا بلدا صناعيا، ومازالت البلاد تعتمد على نفقاتها ومشروعاتها من مداخيل النفط، فكيف كانت ستلبي طموحاتها في تحقيق رؤية 2030 وتنفيذ، وتخلق فرص عمل وتدفع بالاقتصاد نحو الأفضل في ظل الجائحة، فكان قرار الزيادة كما يقولها مستخدمي الطب الشعبي “علاجها بالكي”.
في حال لم يتخذ القرار المؤلم واللازم في هذه المرحلة تحديداً، سينعكس على النمو وارتفاع نسب البطالة لأرقام غير مسبوقة مما يؤدي إلى تبخر الإنجازات التي تحققت خلال الخمس سنوات الماضية، مثل ارتفاع نسبة تملك المواطنين في الإسكان من 43 في المائة الى 57 في المائة، وتمكن الاقتصاد من إيجاد وظائف لأبناء وبنات الوطن، ونمو المنشآت الصغيرة والمتوسطة 23 في المائة بالإضافة إلى انخفاض الاحتياطيات المالية للدولة، وتوقف المشاريع الخدمية المقدمة للمواطنين.
مثلما يحتاج المريض الذي يجري عملية جراحية الى بعض العلاجات واتباع تعليمات الطبيب والاستمرار على الفحوصات الطبية حتى تستقر صحته، هكذا الوضع حاليا بالنسبة لأثار جائحة كورونا، معظم الإجراءات التي اتخذت هي علاجات لاستعادة صحة الاقتصاد السعودي ومتى ما انتهت الأزمة ووجدت الدولة إنها قادرة على تخفيف هذه النسبة، فأنني على يقين إنها ستنخفض، خاصة إذا ما علمنا انه من الطبيعي أن ترافق كل أزمة اقتصادية عدد من القرارات والإجراءات تبًعا لحجمها ومستوى حدتها، ورغم ضخامة التداعيات التي خلفتها جائحة كورونا إلا أن السعودية اختارت أخفها ضرًرا على مواطنيها.
فهي منذ بدء جائحة فيروس كورونا، تحملت العديد من الآثار الاقتصادية الناجمة عن ذلك ورصدت مبلغ 177 مليار ريال لتعزيز قطاع الصحة، وتخفيف أثر الجائحة على القطاع الخاص والمحافظة على رواتب الموظفين فيه، ودعم رواتب موظفي القطاع الخاص حتى لا يخسروا وظائفهم.
وربما من إيجابيات رفع ضريبة القيمة المضافة المحافظة على مركز المملكة الاقتصادي والمالي والنقدي لتوفير السيولة والمحافظة على تخفيف تسرب الأموال خارج البلاد وعلى التوازن من سحب الاحتياطي وعدم اللجوء الى الاستدانة المالية العامة المخطط له، واستمرار مشاريع التنموية والخدمية المقدمة للمواطنين.
كما أن الأسواق السعودية منفتحة على العالم وتتوفر من السلعة الواحدة أصناف كثيرة وبأسعار مختلفة، والتاجر الذي يمارس الجشع ويرفع السعر أكثر من القيمة المضافة مستغلا الوضع.. لا تقفوا على متجره وبلغوا كل أصدقاءكم أن لا يذهبوا إليه حتى تبور سلعه ويضطر الى العودة لرشده والبيع بالسعر المعقول.
المجتمع السعودي دخل في اختبار مع الدولة في مواجهة جائحة كورونا وأيضا في تجربة إدارة الأزمة المالية، أما أن تقترض الدولة وتحمل على نفسها مشقة الديون ومتاهاتها، وبالتالي قد تتعطل المشروعات التنموية وتحقيق رؤية 2030، أو يعيش المجتمع أنانيا ويفكر في نفسه ورفاهيته الشخصية دون النظر الى الشمولية وعافية البلد، فإن على المجتمع أن يكون متجاوبا وحريصا على تنفيذ التوجيهات والنصائح في أهمية اتباع الإجراءات الاحترازية، ومتى تعافى الإنسان تعافى الاقتصاد ونمت البلد.. وعاد الانتعاش من جديد لدورة الحياة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال