الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
طالبة أمريكية تحضّر لسنتها الأولى في الجامعة، كانت تتحدث إلى ابنتي عن خططها المستقبلية. سوف أدخل (وذكرت تخصص محدد)، لأني أريد الماجستير في (وذكرت تخصص دقيق محدد)، وسوف أعمل في المكان (وذكرت مجال عمل محدد بالشركات). ما كل هذا الوضوح في الرؤية، ودقة تحديد الأهداف، وما كل تلك الثقة في تحققها؟
بغض النظر عن دور الأسرة المهم جدا. التعليم وسوق العمل يعيقان الشاب السعودي عن وضع خططه المستقبلية والعمل على تحقيقها. المشكلة الأكبر تكمن في التعليم، وسوق العمل يعمّقها ويزيدها سوءا.
التعليم غير قادر على مساعدة الشباب على وضع خططهم المستقبلية لعدة أسباب. أولا بالرغم من وجود أهداف عامة للتعليم، ولكل مرحلة تعليمية، ولكل منهج دراسي، ولكل مادة، ولكل درس، لكن لا تصل تلك الأهداف للطلبة بوضوح. ولأن أهداف الدرس لا تصلهم، فلن تصلهم أهداف المادة وبالتالي المنهج. وسبب عدم وصول أهداف الدروس، لأن التعليم غارق في إلزام المتعلمين بتطبيق الخطوات العملية للدروس العلمية، وحفظ الدروس النظرية، بغض النظر عن مدى استيعابهم لمفاهيمها ودلالاتها ووصول أهدافها إليهم.
الإشكالية السابقة التي يعرفها الجميع هي السبب الرئيسي الأول في عدم قدرة الطلبة على وضع أهدافهم وخططهم المستقبلية. لأنه وببساطة من لم يدرك مفاهيم المواد ويعرف أهدافها، لن يستطيع تحديد رغباته العلمية بشكل صحيح، ولن يستطيع معرفة مدى قدرته على تحقيقها. وقد اتضحت لي هذه الحقيقة من خلال دروس التخطيط والدورات التي كنت أقدمها لطلبة المرحلة الثانوية وخصوصا الصف الثالث. قد لا ابالغ إن قلت إن أكثر من 95٪ من الطلبة لا يعرفون رغباتهم ولا قدراتهم العلمية والمعرفية، وبالتالي لن يعرفوا أهدافهم العملية ولا كيف يحققونها.
السبب الثاني عدم وجود محاضن في التعليم تكثف تواصل الطلبة مع التخصصات التي يرغبون بها. سواء من خلال معامل داخل المدارس والمؤسسات التعليمية الأخرى، أو بالشراكات الخارجية. بحيث تقوم تلك المحاضن بتكثيف تدريب الطلبة الذين يملكون الموهبة في مجال أو تخصص ما، وذلك بشكل عملي وبأعمق وأوسع مما هو في المنهج. مما يزيدهم معرفة برغباتهم وقدراتهم العلمية.
السبب الثالث محدودية وضعف برامج كشف المواهب وتنميتها من كافة الجوانب. وهذا السبب سوف أفرد له مقالا خاصا قد يكون الأسبوع القادم بإذن الله.
أخيرا صعوبة إكمال الدراسات العليا لمن يستطيع ويرغب من الطلبة. وهذا أيضا سوف أفرد له مقالا خاصا بإذن الله.
أما سوق العمل فإنه حكاية وعالم من الرعب قائم بذاته. ففي نقاشاتي الكثيرة جدا مع الشباب من طلبة التعليم العام والجامعي وممن التحقوا بسوق العمل. أجموا تقريبا على وجهة نظر واحدة مفادها عدم الثقة في سوق العمل. ورغم كل محاولاتي لإقناعهم بعكسها أو التخفيف من حدتها إلا أنني أعتقد بفشلي. وسواء اتفقنا مع تلك النظرة أو لم نتفق، لكن أثرها في نفوسهم عميق، حيث تصيبهم باليأس والإحباط. وذلك يدفعهم إلى عدم التفكير في التخطيط ثم التعب لتنفيذ المخطط. وقد سمعت هذه النتيجة من أفواههم كثيرا تحت عبارات من قبيل (وش الفايدة من التعب إذا كانت الوظايف بالواسطة، وأصلا ما فيه وظايف).
أما واقع سوق العمل فإنه يعاني من مشكلتين حقيقيتين تعوقان الشباب عن التخطيط لمستقبلهم بدقة حتى وإن رغبوا في ذلك. الأولى تكمن في ضحالة وضيق سوق العمل. ففيما يتعلق بضحالة السوق، فهي تتمثل في محدودية المؤسسات والشركات العاملة في كل قطاع أو مجال من المجالات العملية، من حيث أعدادها أولا ومن حيث أحجامها ثانيا. وذلك يعني محدودية قدرتها على استيعاب طالبي العمل ومعدل البطالة مؤشر واضح. أما ضيق السوق فيتمثل في عدم شموله لجميع التخصصات والمجالات العملية المقابلة للتخصصات العلمية. فلا يعني وجود تخصص علمي أن حامله سوف يجد في السوق ما يناسبه من العمل. وهذا الضيق ليس خاصا بمجالات العلوم الإنسانية فقط، بل إن كثيرا من التخصصات العلمية المهمة لن يجد أصحابها مكانا لهم في سوق العمل السعودي كالهندسة النووية. وهذا الواقع المعروف يسدل ستار من الضبابية على المستقبل العملي لمن لدية رغبة علمية محددة ويريد العمل في مجالها.
المشكلة الثانية هي عدم شفافية سوق العمل ووضوح الرؤية فيه. فمن جانب ليس من السهل على الشباب معرفة الجهات والمؤسسات والشركات العاملة في مجال معين. وبالتالي يصعب عليهم جمع المعلومات عنها عند وضع خططهم. وقد تتسبب تلك المعلومات البسيطة جدا الواجب توافرها بشكل عام في منع الشاب من التوجه لتخصص معين يرغب به. وفي الجانب الأخر الانعدام شبه التام للمعلومات الحقيقية التي يعول عليها عن الوظائف المطلوبة في السوق، مجالا ونوعا وعددا ومميزات، حتى الوظائف الدنيا المعلومات عنها محدودة جدا. وبكل تأكيد أن غياب تلك المعلومات يصعب التخطيط بل يجعله شبه مستحيلا. فلا يمكن تحديد الاتجاه والرغبة، ولا المفاضلة، ولا المتطلبات وغيرها الكثير مما ينقص المخطط لمستقبله في ضل ندرة المعلومات وضعف مصداقية الموجود منها.
إذا كان الباحث المتخصص المتمرس يجد صعوبة بالغة في الوصول للمعلومات الصحيحة الكافية التي يُعتمد عليها في فهم سوق العمل وما يجري فيه، فكيف الحال بطالب في المرحلة الثانوية أو حتى الجامعية؟! لذلك قبل أن نرهق الشباب باللوم كونهم لم يخططوا جيدا لمستقبلهم، يجب أن نصلح التعليم وسوق العمل بما يسهّل عليهم وضع خططهم بدقة ووضوح.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال