الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
اسمحوا لي أن آخذكم معي في رحلة ال 4 شهور الماضية في أروقة الإجتماعات والمؤتمرات الإفتراضة لجمعية مهندسي البترول العالمية –والتي تشرفت برئاستها عام 2019م- والنقاشات الجانية التي كانت تدور في وسائل التواصل الإجتماعي لبعض المهتمين بقطاع الطاقة العالمية والتي كانت تتمحور حول قرار المملكة العربية السعودية التاريخي في شهر مارس بعد الإجتماع الذي لم يحقق أهدافه في موسكو لأعضاء ما يُطلق عليه نادي أوبك بلس. الكثير من المهتمين كانوا يشككون في فعالية قرار المملكة بزيادة إنتاج النفط أثناء فترة توفر الكثير من الفائض النفطي بسبب جائحة كرونا والتي شلت الحركة الإجتماعية والاقتصاد العالمي.
الكثير من المهتمين بقطاع الطاقة العالمي لا يعرفون استراتيجيات المملكة التي تبنتها خلال تاريخها الطويل وقيادتها الحكيمة دفة قطاع النفط العالمي والتي دائما تكون مبنية على بعد استراتيجي يخدم القطاع العالمي على المدى البعيد. الكل يُفكر في اليوم وغدا والمملكة كانت –ولا زالت- تفكر في ما بعد الغد والمستقبل البعيد بالنيابة عن كل الدول المنتجة للنفط.
بالرغم من أنه خلال رئاستي الجمعية الدولية ومشاركاتي العديدة في المؤتمرات الدولية وزياراتي الكثيرة للعديد من الهيئات البترولية وجدت احتراما وتقديرا عالميا لا مثيل له لصناعة النفط والغاز السعودية وقيامها بهذا الدور الاستراتيجي في استقرار أسواق النفط العالمية، إلا أن هذا الشعور والأحاسيس والكلمات لا تكفي ولاتغني من جوع. لا يمكن أن تستمر مملكة الطاقة في تحمل أعباء استقرار أسواق النفط العالمية فتتحمل تكاليفها التي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات والبقية تستفيد منها بدون تحمل أي عبئ يذكر.
عندما نرى إتفاقيات خفض إنتاج البترول الماضية سواء كانت من قبل دول منظمة أوبك أو أوبك بلس نجد أن نسبة الإلتزام بالإتفاقيات الموقعة لا تصل إلى النسب المتوقعة والمرجوة منها لإحداث تأثير إيجابي سريع مما يسبب تحمل المملكة للكثير من التكاليف واستفادة الدول الغير ملتزمة والدول خارج الإتفاق بدون دفع دولار واحد.
كان لابد من وقفة حازمة قوية تذهل العالم وتصلح هذه المعادلة الغير عادلة، وهذا ما حدث بعد رجوع وزير الطاقة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان من موسكو بعد الإجتماع في شهر مارس. الكثير كان ينظر لقرار رفع الإنتاج بأنه قرار متسرع وخاطئ إلا القليل ممن كان يثق بحزم وعزم ومتانة الخبرة السعودية في صناعة النفط العالمية. صحيح أن الأسعار بدأت بالإنخفاض لفترة محدودة –بسبب ما أحدثته جائحة كرونا- إلا أنه مع الوقت بدأ العالم يستوعب هذا القرار التاريخي ويرى أن المملكة جادة في تعديل هذه المعادلة الغير عادلة، فبدأت المكالمات والمطالبات تنهال على الرياض من جميع عواصم الدول المنتجة للنفط داخل وخارج منظمة أوبك والمطالبة بضرورة الإجتماع والخفض الجماعي لإنتاج البترول بما فيها بعض الدول الكبرى من خارج نادي أوبك بلس والتي كانت من المستحيل أن تناقش خفض إنتاجها.
لم تكن إلا عدة أسابيع حتى استطاعت المملكة بحكمة قيادتها الرشيدة أن تحدث نقلة نوعية تاريخية في صناعة النفط العالمية وقيادة العالم للوصول إلى إتفاق تاريخي يصل إلى خفض إنتاج غير مسبوق لم يحدث في تاريخ صناعة النفط العالمية على مدى تاريخها الطويل. لم يكفي هذا الإتفاق بحيث تبعه تكوين لجنة وزارية لمتابعة مدى التزام هذه الدول والتي وصل الى نسبة عالية غير مسبوقة أيضا -كما ذكرته الكثير من المصادر- كإشارة قوية لنجاح هذا النموذج الجديد التي طورته ونفذته وحققته بكفاءة عالية المملكة العربية السعودية لاستعادة التوازن بين الطلب والعرض في أسواق النفط العالمية مما أدى إلى الارتفاع الملحوظ في الأسعار مقارنة بما كانت عليه في بداية ووسط الجائحة.
إنها المملكة العربية السعودية، وإنه الملك سلمان -ملك العزم والحزم- حفظه الله، وإنه الأمير محمد بن سلمان صاحب الرؤية المباركة –حفظه الله- وإنه الأمير عبدالعزيز بن سلمان الذي وظف خبرته الطويلة التي تمتد إلى أكثر من 30 عاما في قطاع البترول العالمي لخدمة هذا القطاع وتصحيح هذه المعادلة الغير عادلة. ما يجب علي ذكره هنا -ومن باب الأمانة- أنه من خلال لقاءاتي العديدة بالكثير من المسؤولين والمهتمين بقطاع البترول العالمي، وجدت أن شخصية سمو الأمير عبدالعزيز بن سلمان شخصية محبوبة من الكل مما ساعده للوصول لهذا الإنجاز والنموذج التاريخي وسيساعده لاستمرار هذا النجاح في المسقبل. فالكل استمتع بالحديث الشيق الذي أدلى به سموه –حفظه الله- لقناة العربية والذي قال فيه أن القرار كان قرارا سياديا ناجحا بكل المقاييس أحدث نقلة نوعية في تعاون دول أوبك وأوبك بلس، واستمرار هذا التعاون على هذا النسق الجديد، كما قال سموه. كما أن ماحدث في شهر أبريل أثبت للعالم قوة صناعة البترول السعودية التي استطاعت وبكفاءة عالية رفع إنتاجها إلى أرقام قياسية وتاريخة أذهلت المختصين وهي في وسط عاصفة وجائحة كورونا.
لا أخفيكم شعوري بالفخر والسعادة عندما تجد وتحس أن مركز الجاذبية النفطية العالمية كانت تشير من جميع الإتجاهات إلى عاصمة مملكة الطاقة، مدينة الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية. ولولا جائحة كورونا لوجدنا أن تلك الإجتماعات والاتصالات الإفتراضية العديدة استبدلت بزيارات شخصية من قبل قادة العالم ووزراء الطاقة لمدينة الرياض.
وأخيرا، أقول أن المتمعن في قطاع الطاقة العالمية لا يجد أمامه أنموذج مثالي للقيام بهذا الدور المهم كالمملكة العربية السعودية، التي تُعتبر بكل المقاييس والمفاهيم الدولية وكما أطلقت عليها في عدة مقالات سابقة “الخط الأمامي لأمن الطاقة العالمي”. لقد أثبتت المملكة أنها تقف في الخط الأمامي لأمن الطاقة العالمي وبطريقة أعادة تعريف مبدأ أمن الطاقة البترولية العالمية لتكون المملكة في قلب هذا التعريف.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال