الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
حاز موضوع الحوكمة باهتمام العديد من منظمات الأعمال والمؤسسات المصرفية وكذلك السلطات الرقابية والإشرافية والرقابية والمنظمات الدولية، فقد صدرت العديد من الهيئات معايير ومبادئ دولية للحوكمة المؤسسية والمصرفية مثل منظمة التعاون الاقتصادية والتنمية وايضا لجنة بازل للرقابة المصرفية وقد أصبحت تلك المبادئ بمثابة قواعد دولية متفق عليها ، واحتضنتها الكثير من دول العالم حيث أصبحت مرتكز لها للحفاظ على سلامة أنظمتها المصرفية والمالية.
إن معظم التجارب الأخيرة التي مرت بها الدول اظهرت ان ضعف الحوكمة في النظم المصرفية كاد ان يؤدي الى تدمير الاقتصاد بشكل خطير، ونجد ان الالتزام بتطبيق مبادئ الحوكمة بشكل علمي من الركائز الاساسية لنمو وتطوير وتشجيع الاستثمار والمحافظة على المساهمين وحقوق اصحاب المصالح في المصارف فإن ضعف الحوكمة في المؤسسات المصرفية يربط بشكل عام بتركيبة مجالس الإدارة ومسؤوليتهم وكذلك الإفصاح والشفافية وحقوق الأقلية ، فالإلتزام بمبادئ الحوكمة يساهم في تعزيز الممارسة السليمة للحوكمة المصرفية حيث انها يجب ان تمر عبر طريقتين هما أن تقوده البنوك المركزية باعتبارها المسؤولة عن تنظيم ورقابة الجهاز المصرفي وعن طريق البنوك ذاتها لان غياب الحوكمة يعني الفوضى والانهيار.
وبما ان الجهاز المصرفي يمثل الدعامة الرئيسية للنظام المالي والتنمية الاقتصادية فانه يتسم بالحساسية للمخاطر التي تنشأ عن القصور في تطبيق الحوكمة ومن مما سبق نجد انفسنا نطرح عدة تساؤلات فمثلا هل يساعد تطبيق مبادئ الحوكمة المصرفية على الحد من المخاطر التي تنشأ نتيجة للغش والتلاعب بالقوائم المالية، وهل يساهم ذلك في استقرار النظام المالي والاقتصادي للمصارف؟.
تواجه الإدارات منذ الأزل مشكلة الغش والتلاعب بالقوائم حيث أنه يمثل موضوعاً مهماً بالنسبة للمجتمع بشكل عام ولمهنة المراجعة والمراجعين وذلك لما يترتب عليها من انهيارات متوالية للعديد من الشركات الكبرى في معظم دول العالم، خاصة في الشركات متعددة الجنسيات ومن اشهر تلك الحالات ماحدث لشركة الطاقة الامريكية (Enron)، وشركة (Worldcom) وشركة (Xerox) وهنالك عدد من الحالات في فرنسا وايطاليا وسويسرا وغيرها فإن الغش كما عرفته لجنة تريدواي الامريكية بانه “السلوك المتعمد سواء كان بالارتكاب أو الحذف أو عن طريق الإهمال الذي ينتج عنه قوائم مالية مضللة بصورة جوهرية وينطوي الغش في القوائم المالية على عديد من العوامل ويأخذ العديد من الأشكال مثل التحريفات الجسمية في سجلات المنشأة او التزيف او الاصطناع في العمليات كإثبات عمليات وهمية او تطبيق خاطئ للمبادئ المحاسبية” وكذلك يقصد بالغش من وجهة نظر محاسبية “ارتكاب أخطاء عن عمد وسبق إصرار ويعني ذلك أن الغش مرادف للخطأ العمد ، ويحدث الغش عن طريق التلاعب في البيانات المحاسبية بهدف اخفاء معالم معينة، لتحقيق منفعة شخصية على حساب الوحدة الاقتصادية.
ويقصد بالتلاعب المحاسبي “حذف او تعديل او اجراء قيود محاسبية بصورة عمدية بهدف اخفاء عجز او تلاعب او اخفاء حقائق بالأوضاع المالية”، اما الغش والتلاعب المحاسبي فهو “مجموعة الطرق والاساليب التي تستخدمها ادارة المنشاة والتي تهدف الى اعطاء صورة مضللة عن نتيجة اعمال المنشاة ومركزها المالي عن طريق اختيار اسس قياس ووسائل افصاح واخفاء بعض الانشطة او تعديلها بما يتلاءم مع اغراض واهداف الادارة” وان مبادئ حوكمة المصارف هي عبارة عن “مجموعة الاسس والممارسات التي تطبق بصفة خاصة على المصارف المملوكة لقاعدة عريضة من المستثمرين وتتضمن الحقوق والواجبات لكافة المتعاملين مع المصرف مثل مجلس الادارة والمساهمين والدائنين في المصارف، وتظهر من خلال النظم واللوائح الداخلية المطبقة بالمصرف والتي تحكم اتخاذ أي قرار قد يؤثر على المصلحة العامة للمصرف او المساهمين”.
هنالك العديد من أشكال الغش و التلاعب بالقوائم المالية فنجد ان قائمة المركز المالي هي اكثر قائمة يطالها الغش والتلاعب من قبل الادارة وذلك من خلال قيامها ببعض الممارسات مثل تضخم مصاريف اعادة الهيكلية والتضخيم في حسابات الأصول المدينة، وتقليل الالتزامات، تضخم الممتلكات والمعدات ، وتضخيم المستحقات الاختيارية، وزيادة الاحتياطات ـ وايضاً يتم التلاعب في أرقام قائمة الدخل التي تخص الإهلاك عند التملك والاعتراف المبكر بالإيراد وتقليل المصاريف المستحقة الدفع، وايضا تضخيم الربح الإجمالي، وايضا يتم التلاعب في قائمة التغيرات في حقوق الملكية من خلال ثلاثة عناصر وهي راس المال المدفوع وراس المال المكتسب ورأس المال المحتسب، اما عن التلاعب في قائمة التدفقات النقدية يتم عن طريق التلاعب بالدخل من العمليات المستمرة وكذلك امكانية التلاعب بالتدفقات النقدية التشغيلية وذلك للتهرب من الضرائب وايضا يتم تصنيف التدفقات النقدية التشغيلية الى نفقات استثمارية او تمويلية والعكس ويتم التلاعب في الإيضاحات حول البيانات المالية عن طريق التلاعب في التقديرات المحاسبية والتلاعب في السياسات المحاسبية.
نجد ان تطبيق مبادئ الحوكمة لها اهمية كبرى في الحد من الغش والتلاعب بالقوائم المالية حيث ان التزام البنوك بتطبيق مبادئ الحوكمة يعد من المعايير المهمة للمستثمرين في ظل الظروف التي تمر بها الأسواق العالمية والتنافس الشديد فيما بينهما كما أن تطبيق مبادئ الحوكمة يؤدي الى تحسين ادارة البنوك ، وتجنب الفساد والإفلاس وسوء الأداء، ويضمن اتخاذ القرارات على أسس سليمة، وايضاً يعمل على إعطاء كل ذا حق حقه من خلال لجان المكافآت والحوافز، وبالتالي الإخلاص في العمل الذي ينتج عنه تحسين الأداء للبنك، والإفصاح والشفافية تمنع الازمات والمخاطر وتخلق الثقة عند المساهمين الصغار والكبار، وتؤكد العديد من الدراسات الدولية أن هنالك ارتباطاً وثيقاً على مستوى الأسواق الناشئة بين اداء البنوك ومدى الالتزام بتطبيق المعايير والمبادئ المتعلقة بمفهوم الحوكمة المؤسسية، وفيما يختص بالتحكم في توقيت تنفيذ العمليات فيمكن تضييق نطاق ذلك عن طريق اعادة التقييم المستمرة للبنود داخل الحسابات، اما العمليات المصطنعة فيمكن معالجتها عن طريق تطبيق مفهوم الجوهر فوق الشكل أي ان الجوهر الاقتصادي للعملية وليس الشكل القانوني لها، وايضا تطبيق الاختيار بين البدائل المحاسبية وتحديد الحالات التي تتطلب تطبيق ممارسة معينة ، ولابد أن يكون هنالك ثبات في ممارسة السياسة المحاسبية من سنة لأخرى.
واخيراً نجد ان لتطبيق قواعد ومبادئ الحوكمة الاثر الكبير في تقليل الغش و التلاعب بالقوائم المالية حيث أنه يؤدي الالتزام بمبادئ الحوكمة وقواعدها من قبل المصارف بشكل فعلى الى الحد من ارتكاب الغش والتلاعب بالقوائم المالية وزيادة كفاءة ادائها وبالتالي زيادة ثقة المستثمرين بالمصارف ، مما يزيد من قدرة المصارف على جذب الاستثمار وما ينتج عنه من تنمية للاقتصاد الوطني، وان عدم التطبيق السليم لضوابط وقواعد الحوكمة هو من الأسباب الرئيسية للازمة المالية مما ينعكس سلباً على استقرار النظام المالي والاقتصادي للمصارف، وعلى المجلس الادارة الحرص على الالتزام بها والعمل على وضع انظمة تساهم في تجنب مخاطر الغش والتلاعب بالقوائم المالية والعمل على الاستفادة من المزايا التي تحققها الحوكمة والتوسع في تطبيقها بشكل سليم في المصارف.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال