الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
نتفق جميعاً أن رؤية المملكة 2030 كانت نقلة نوعية للتخطيط الإستراتيجي ووضع حلول للتحديات الحالية والمستقبلية التي تواجهها المملكة العربية السعودية في جميع نواحي الحياة وبالأخص الجانب الاقتصادي والتعليمي والاجتماعي. وبلا شك أن الخطط الموضوعة من قبل الوزارات والجهات المعنية الكثيرة إن لم تتحقق بنسبة 100% بحلول عام 2030، سيتحقق الكثير منها، وهذا بحد ذاته يعد نجاحا وانجازا كبيرا للوطن والمواطن وفي مقدمتهم قائد هذه الرؤية المباركة، ولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان –حفظه الله-.
لن أتحدث اليوم ونحن في منتصف عام 2020 عن هذه الرؤية ومشاريعها العديدة وما تحقق منها وما يتحقق وسيتحقق بإذن الله. بل اسمحوا لي بربط ماستنتجه رؤية 2030 بمستقبل بلادنا من خلال البدء بالتفكير في القفزة المستقبلية الثانية لما بعد الرؤية، وبالحديث عن ضرورة التفكير الجاد لرسم الخطوط العريضة لهذه القفزة الثانية التي ستنقل المملكة العربية السعودية لتكون بإذن الله ضمن أكبر 10 اقتصاديات في العالم وفي مقدمة الدول المتطورة اقتصاديا وعلميا وحضاريا. ولتكن هذه القفزة تحت عنوان “المملكة ما بعد 2050”. نعم 2050، ثلاثون سنة من اليوم وعشرون سنة بعد الرؤية المباركة. نريد أن تكون هذه الخطوط وهذا التصور المستقبلي للمملكة واضح لنا ونعمل بجد خلال العشر سنوات القادمة بوضع الخطط والمشاريع التي ستأخذنا لهذا الحلم الجميل للبدء بتنفيذها يوم 1/1/2031، ابتداءً من حيثما ستنتهي عليه هذه القطاعات حسب رؤية 2030.
دعونا نتخيل كيف ستكون المملكة العربية السعودية ما بعد عام 2050 اقتصاديا واجتماعيا وعلميا وصحيا وثقافيا وحضاريا، بل وحتى رياضيا وترفيهيا. كيف سيكون التنقل داخل المدن وخارج المدن؟ كيف ستكون تأثيرات تطبيقات الأنترنت والذكاء الصناعي والروبوتات والتعلم الآلي الذاتي وتأثيرها على جميع القطاعات بما فيها الحياة العامة والاقتصاد والتعليم والصحة و…..الخ. هل ستنتشر السيارات الكهربائية؟ هل ستعتمد هذه السيارات على السائق الألكتروني؟ كيف سيكون تأثير تقنية المعلومات على الحياة الاجتماعية والاقتصادية؟ هل سيكون هناك طبيب الكتروني في كل بيت يراقب صحة أصحاب البيت ويعطيهم النصائح الطبية اعتمادا على المعلومات التي يجمعها عنهم خلال الـ 24 ساعة؟ وأخيراً ما هي التخصصات التي ستكون ملائمة لهذه الحقبة؟ أسئلة كثيرة تدور في عقلي يصعب الإجابة عليها بدقة ولكنها جميعا يمكن العمل على تحقيقها من خلال البدء بالتفكير بالرؤية الثانية، رؤية ما بعد 2050. لكي نصل ضمن أكبر 10 اقتصاديات في العالم، يجب أن نحدد ماذا نريد عام 2050. ما هي الصناعات والقطاعات الخدمية التي نريد أن نقود العالم من خلالها –بعضها قد تكون جديدة وغير موجودة الأن- واضعين في تصورنا عوامل القوة لوطننا التي ذكرها سمو ولي العهد –حفظه الله- خلال طرحه لرؤية 2030.
اسمحوا لي أعزائي القراء أن آخذكم معي في رحلة طويلة جدا في المستقبل البعيد عام 2050م لأرسم لكم ونرى جميعا ما ذا نريد أن يصبح قطاع الطاقة السعودي ما بعد عام 2050م.
الحلم الكبير أن تُعرَف المملكة العربية السعودية عام 2050 –ربما قبل ذلك- بمملكة الطاقة بدلا من مملكة النفط. وتحقيقا لمبدأ الاستدامة واستمراراً لمشاريع الطاقة المتجددة ضمن رؤية 2030، نريد أن نتوسع في إنتاج جميع مصادر الطاقة المتعددة النفطية والغازية التقليدية وغير التقليدية والطاقة النووية والطاقة المتجددة الشمسية والهوائية والجوفية الحرارية، بحيث يكون الكثير من القطاعات الحيوية تتلقى حاجاتها من الطاقة من خلال الكهرباء المولدة من الطاقة المتجددة خارج النفط والغاز وبالأخص القطاع السكني والصناعي والسيارات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة والقطارات ومحطات تحلية مياه البحار. يبقى قطاع الطائرات والسفن التي قد يستمر اعتمادها على الوقود المكرر من النفط إن لم تتطور تقنيات جديدة تعتمد على الطاقة المتجددة. سيكون حينها تركيز النفط والغازعلى قطاعات البتروكيماويات والمواد الكيميائية المتخصصة وقطاع الأسمدة الداعمة للقطاع الزراعي. تصوروا أعزائي أننا عام 2050 نتوسع بشكل كبير في استخدام الطاقة الشمسية لتحلية مياه البحار، ونستخدم الغاز وجزء من النفط لتصنيع الأسمدة وجزء من الماء المحلى بالطاقة الشمسة لدعم قطاع الزراعة ليصبح وطننا سلة غذاء عالمية! لا ننسى أن عدد البشرية حاليا يقارب ال 8 مليارات نسمة وسيزيد بحلول عام 2050 1.5–2.0 مليار نسمة، كما أن عدد سكان المملكة سيرتفع بنسبة كبيرة قد تصل إلى 70-75%. العالم سيحتاج إلى طاقة ومصادر تغذية و رفاهية وحياة اجتماعية بشكل متزايد يعتمد على الطاقة بشتى أنواعها ومنتجاتها الكيميائية الجديدة لرفع مستوى المعيشة والرفاهية ومستوى الحياة الإجتماعية.
كذلك لا ننسى أن صناعة الطاقة العالمية وفي مقدمتها النفط والغاز والفحم تواجه حاليا تحديات كبيرة وفي مقدمتها التحديات البيئية وارتفاع انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون وتأثيراته الضارة على الصحة والبيئة العالمية. اليوم 80% من النفط يستخدم لدعم وسائل النقل الجوية والبرية التي بدورها تنتج غاز ثاني أكسيد الكربون، و20% من النفط فقط يستخدم لإنتاج سلع ومواد كيميائية غير قابلة للاحتراق وقليلة الأضرار على البيئية سواء شحوم أو أسفلت أو مواد كيميائية تستخدم في الصناعات التحويلية الأخرى التي تدعم تحسين الرفاهية للحياة البشرية. نريد العمل الجاد لتحويل هذه التحديات إلى فرص استثمارية تساهم في تنويع الاقتصاد وارتفاع مستوى الحياة الاجتماعية البشرية، والأهم الحد من التحديات البيئية وخفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2050. نريد العالم أن يرى المملكة مصدر للطاقة النظيفة.
في هذا التاريخ (2050) وربما قبله، نريد تحويل المملكة العربية السعودية من دولة مصدرة للبترول إلى دولة مصنعة للبترول ومُصَدره للمواد والسلع الاستهلاكية المنتجة منه، نريد أن نصبح رواد القطاع الصناعي الجديد لتحويل الجزء الأكبر –قد يصل إلى 60-70%- من برميل النفط الخام إلى مواد كيميائية جديدة أو ما يسمى كرود تو كيميكال. هذا بالإضافة إلى تطوير واستخدام وتصدير الفائض من جميع أنواع الطاقة النظيفة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الجوفية، وبنسبة قد تصل إلى الصفر من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والغازات الضارة من خلال العمل على إنشاء قطاعات وصناعات جديدة تقوم بجمع واستخدام وتدوير وتصنيع مواد جديدة تعتمد على الكربون الناتج من استخدام مصادر الطاقة –كما أطلق عليه وزير الطاقة -اقتصاد تدوير الكربون-. تصوروا أعزائي القراء ما سيحدثه قطاع كرود تو كيميكال وقطاع اقتصاد تدوير الكربون من تأثير كبير على تنويع مصادر الدخل والاقتصاد وتوفير آلاف من الوظائف الجديدة لشباب هذا الوطن وأخيرا السمعة العالمية للمملكة كدولة تحقق Carbon Neutral Economy
نريد أن تكون النسبة الكبيرة من السيارات الصغيرة في المملكة كهربائية تشحن عن طريق الكهرباء المولدة من مصادر الطاقة المتجددة وأن ننظر إلى السيارات الكهربائية من منظور اقتصادي ريعي بدلا من النظرة الحالية التنافسية مع النفط لأن الجزء الأكبر من النفط سيكون له استخدامات جديدة منتجة للكثير من المواد الكيميائية الخاصة التي ستباع بأسعار أعلى من البنزين والديزل وغير قابلة للإحتراق أو إنتاج غاز ثاني أكسيد الكربون.
أنا متفائل أن قطاع الطاقة السعودي يسير في هذا الإتجاه بتوجيهات كريمة من خادم الحرمين الشريفين \الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان ووزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان -حفظهم الله- وبدعم لا محدود من قطاع الطاقة السعودي بشتى مؤسساته العامة والخاصة وصندوق الاستثمارات العامة. من المهم ذكره هنا أن هذا الحلم الجميل يصعًب تحقيقُه بدون دعم القطاعات الأخرى ومن أهمها قطاع التعليم والبحث والتطوير والقطاع الخدمي والصناعي والتي ستتطور -بإذن الله- بنفس تسارع قطاع الطاقة، تحت إشراف من وزارة التخطيط التي على عاتقها التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى وقيادة هذا الفكر الجديد لكي تتطور جميع قطاعات الوطن بنفس الفكر التسارعي وتصبح بلدنا مملكة الطاقة ويصبح اقتصادها عام 2050 –بإذن الله- ضمن أكبر 10 اقتصاديات في العالم. الله يحفظ هذا الوطن من كل شر ويوفق قادته وكل من يعيش على ترابه الطاهر لسعادة مواطنيه وسعادة البشرية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال