الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يدخل التاجر عادةً في العديد من التعاملات التي تأخذ الطابع التجاري بشكلٍ متسلسلٍ ومتكرِّرٍ معاً؛
– فمن حيث التسلسل: يبيع تاجر الأجهزة الكهربائية مثلاً ما كان قد اشتراه مع تحقيق هامش ربحٍ، فيشتري بسعر أقل من السعر الذي يبيع به.
– ومن حيث التكرار: يقوم التاجر -وفق المثال- بإعادة عملية الشراء لأجل البيع بربح هذه عشرات بل مئات المرات بحسب حجم تجارته، فقد يُكرِّر هذه العملية مئات المرات في اليوم الواحد إن كان حجم رأس ماله يسمح بذلك.
تحتاج عملية التسلسل والتكرار هذه إلى تمويلٍ؛ فالتاجر لا يحوز دائماً ثمن البضائع التي يشتريها، ولا يملك دائماً البضائع التي يبيعها، حيث يستطيع الحصول على تمويل لعملياته التجارية عبر نظام الائتمان التجاري من البنوك وفق الصيغة الأبسط للتمويل بالإقراض.
بناءً عليه، كلَّما كبرت عمليات التاجر كلما احتاج أكثر للتمويل والائتمان، وهذا التوسُّع في حجم العمل التجاري تكون نتيجته وفقاً لطبيعة المخاطر التي تحيط بهذا العمل إمَّا ارتفاع حجم الأرباح التي يُحقِّقها من هامش التوسع بالأعمال التجارية، أو توقُّف عجلة العمليات التجارية المتسلسلة والمتكرِّرة بسبب انحسار الطلب في السوق، الأمر الذي سيؤدِّي إلى عجز التاجر عن تسديد الديون التي وضعها على ذمته المالية بسبب الائتمان.
هنا سيجد التاجر نفسه أمام الخيارات التالية:
– أن يستمر التاجر بنشاطه التجاري رغم انخفاض الطلب وعجزه المخفي عن سداد قيمة ديونه لعلَّ حركة التجارة تعاود نشاطها، فيقوم بتعويض خسائره وتسديد ديونه، إلاَّ أنَّ هذا الحل قد يؤدِّي إلى تآكل رأس مال التاجر بشكلٍ كاملٍ مع تسديد مصاريف الأعمال التجارية دون تحقيق ربحٍ، وهو ما سيؤدِّي إلى انهيار التوازن المالي للتاجر وعجزه التام عن تسديد ديونه وافتضاح أمره بعد فوات الأوان، أو:
– أن يحاول التاجر الوصول إلى تسوية وقائية من إشهار إفلاسه بشكلٍ رسميٍّ فيحتفظ التاجر بحقِّه في إدارة مشروعه التجاري على أن يتمَّ تأجيل بعض الديون لعلَّ حركة التجارة تعاود دورانها، فتعود الأمور إلى نصابها ويستطيع التاجر تسديد ديونه، أو:
– أن يقوم التاجر بإجراء إعادة التنظيم المالي، فهنا يفقد التاجر في هذه الحالة حقَّه بإدارة نشاطه وتنتقل الإدارة إلى أمين التنظيم المالي قبل فوات الأوان، وهنا يسعى التاجر إلى إعادة تنظيم شؤونه والتوصل إلى اتفاق مع دائنيه بما يقي مشروعه من خطر التصفية النهائية.
– إذا فشلت كل هذه المحاولات، فإنَّ نشاط التاجر سيتمُّ تصفيته بشكل نهائي مع تقاسم الدائنين أصول التاجر الضامنة لأعماله التجارية.
وما يهمُّنا في هذا المقال هو إجراء إعادة التنظيم المالي الذي يكون المرحلة الحاسمة بين فقدان التاجر لإدارة نشاطه وبين تصفية نشاطه بشكل نهائي وإعلان فشله في مجتمع التجارة مع إفلاسه بشكل رسمي.
حيث إنَّ إجراء إعادة التنظيم المالي يتضمَّن قاعدة مميزة جاء بها نظام الإفلاس السعودي رقم م/50 لعام 1439هـ، وهي “تعليق المطالبات” التي تعني تعليق الحق في اتخاذ أو استكمال أي إجراء أو تصرف أو دعوى تجاه المدين أو أصوله أو الضامن لدين المدين خلال فترة إعادة التنظيم هذه.
يجد التاجر المدين نفسه أمام فسحةٍ أملٍ حاسمةٍ بعد إعلان إجراء إعادة التنظيم، حيث يتوقَّف الدائنون عن طرق أبوابه هو أو ضامنوه بفعل تعليق المطالبات، ذلك حتى تنتهي فترة إعادة التنظيم المالي، فإمَّا تتحسَّن أمور التاجر المالية ويُسدُّد بعضاً من ديونه ويقوم باتفاق واقٍ من الإفلاس مع الدائنين، أو تتمَّ تصفية نشاطه.
وفي هذا الإطار كانت المادة 46 من نظام الإفلاس قبل التعديل تنصُّ على أنَّ تعليق المطالبات يستمرُّ من تاريخ طلب إجراء إعادة التنظيم أو افتتاحه، حتى تاريخ رفض هذا الطلب أو قبول المحكمة لمقترح إجراء إعادة التنظيم أو إنهاء الإجراء قبل ذلك تبعاً للظروف.
قبل تعديل هذه المادة، كان المستفيد الأول من إجراء إعادة التنظيم المالي هو التاجر المدين، حيث يمتلك وقتاً غير محدودٍ –وفق تقدير المحكمة- لإبرام اتفاقٍ جديدٍ مع الدائنين، ويكون نشاطه في هذه الفترة خاضعاً لإدارة أمين إعادة التنظيم؛ وهكذا يكون التاجر مطمئناً على سير أعماله وآمناً من مطالبات الدائنين بقوة نظام الإفلاس، ذلك حتى تُقرِّر المحكمة وفق تقديرها انتهاء فترة إعادة التنظيم المالي.
ونظراً لاختلاف وجهات النظر التقديرية، فقد تكون رؤية المحكمة غير دقيقةٍ إزاء الاستمرار بإجراء إعادة التنظيم المالي، حيث قد تطول مدة هذا الإجراء أكثر من اللازم، ممَّا يدفع التاجر المدين نحو التراخي في تحصيل أمواله أو توفير ضامنين جدد له، الأمر الذي يُشكِّل مناخاً سلبياً في الوسط التجاري، ويجعل من إعادة التنظيم المالي إجراءً في مصلحة التاجر المفلس الذي لا أملاً يُرجى منه.
بناءً عليه، فقد صدر المرسوم الملكي رقم م/89 لعام 1441هـ القاضي بتعديل نص المادة المذكورة رقم 46 من نظام الإفلاس، حيث باتت تنص على مهلة (180) يوماً هي المهلة الممنوحة للانتهاء من إجراء إعادة التنظيم المالي، والتي يمكن تمديدها بطلب من المدين أو أمين إعادة التنظيم أو من المحكمة بتلقاء نفسها لمدة (180) يوماً ثانية، أي ما مجموعه (360) يوماً وهي مدة سنة تقريباً.
بينما فرض التعديل المذكور أنَّ مدة التمديد الثانية لا يجوز أن تتجاوز مدة (120) يوماً بالنسبة لإجراء إعادة التنظيم المالي لصغار المدينين، فيكون مجموع مدة هذا الإجراء بالنسبة لهؤلاء المدينين (300) يوماً، وفق تعديل المادة 47 من نظام الإفلاس.
وهكذا، تكون المحكمة أمام مدةٍ صغرى دون إمكانية تقصيرها وفق سلطتها التقديرية وهي (180) يوماً كقاعدة عامة، إلاَّ أنَّ المحكمة قد ترفض تمديد هذه المدة أو أن تقبل مدها إلى (360) بالنسبة للمدينين العاديين، و (300) يوماً بالنسبة للمدينين الصغار.
وبهذه الطريقة أصبحت المهلة القصوى هذه أداة لحماية الدائنين من المماطلة عبر استغلال إجراء إعادة التنظيم المالي المفتوح المدة، ذلك على الرغم من أنَّ المدد الصغرى المنصوص عليها في تعديل المادتين 46 و47 من نظام الإفلاس هي مددٌ طويلةٌ نسبياً بالنسبة لبعض المديونيات.
فما يزال إعادة التنظيم المالي إجراءً قابلاً للاستغلال من التاجر، فبدلاً من أن يكون فرصةً للتاجر المدين حتى يسوِّي ديونه وينطلق من جديد، سيتحوَّل هذا الإجراء إلى أداة مماطلةٍ للدائنين خلال مدة التعليق الأولى على الأقل، وهي تصل بشكلٍ أكيدٍ إلى مدة ستة أشهر -(180) يوماً-، وهذا لا يخدم الثقة في مجتمع التجارة، ولا يُشجِّع على تقديم الائتمان للتجار.
ولذلك نقترح أن يتمَّ منح الصلاحية للمحكمة بتقصير مدة تعليق المطالبات الأولى خلال إعادة التنظيم المالي، ثم يحقُّ للمحكمة -وفق تقديرها- ترك هذا الإجراء حتى يستغرق كامل المدة الأولى -(180) يوماً-، أو أن يتمَّ تمديده لمدةٍ ثانيةٍ يعود تقديرها للمحكمة، على ألاَّ تتجاوز (90) يوماً للمدينين العاديين و(60) يوماً للمدينين الصغار.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال