الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كان الذهب على مر العصور رمزاً للطمع وشعاراً للاستقامة, فضلاً عن كونه وسيلةً للغرور وإشارة قوة شكلت مصير البشرية. سواء كان الفراعنة المصريون أو الملوك, أو صناع المال أو الحكام أوالسياسيين, أو حتى رجال الثروة الأرستقراطيين, فحيازة الذهب تبقى رمزاً فريداً للثروة والقوة والمكانة الأجتماعية.
من يملك اليوم أكبر احتياطي ذهب في العالم هي الولايات المتحدة الأمريكية حيث تمتلك 8,133 طنًا, سواء من خلال أكبر خزينة ذهب محصنة في العالم, في فورت نوكس في ولاية كنتاكي, حيث يتم تخزين كمية كبيرة من احتياطي الذهب من قبل الحكومة الفيدرالية الأمريكية تقدر ب4,580 طن أو ما نسبته 56% من احتياطي الولايات المتحدة, أو من خلال ذلك المدخر المصان في خزانة الاحتياطي الفيدرالي في وول ستريت في نيويورك.
اخترق الذهب في آخر يوم تداول له من الجمعة الأسبوع الماضي حاجز 1,900 دولار للأوقية (الأونصة) للمرة الأولى منذ عام 2011 وهو رقم قياسي للمعدن الأصفر فأصبح بذلك حديث الأسواق والمستثمرين والمضاربين.
وارتفع الذهب بداية هذا الأسبوع إلى أعلى مستوى له على الإطلاق وفي نفس الوقت ضعف الدولار إلى أدنى مستوى له على مدار عدة سنوات. فمن الواضح تمامًا أنه لا يوجد شيء يمكن أن يمنع المعدن النفيس من الوصول إلى أعلى مستوى له. وبالنسبة للمستثمرين, لا يتعلق الأمر بالارتفاع القياسي، بل في الواقع حول مستوى سعر 2,000 دولار، وسؤال المليون هو ما إذا كان سعر الذهب سينهار أم سيتألق الأسابيع والأشهر القادمة؟
قبل أن نبدأ لنسأل لماذا ارتفع الذهب؟ الجواب: عندما تضطرب الأسواق، يلجأ العديد من المستثمرين إلى الذهب كملاذ آمن هروبا من المخاطر.هل هذا هو السبب فقط؟ بالطبع لا.
يؤكد بعض الخبراء أن العالم اليوم يعيش على حافة ركود اقتصادي وانكماش هائل, لم تشهده الكرة الأرضية منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي. فعلى سبيل المثال, هناك زيادة ملحوظة ومخاوف بشأن صلابة المركز المالي لأكبر أقتصاد في العالم, ألا وهو الاقتصاد الأمريكي. ناهيك عن المخاوف المتعلقة بالمالية العامة الأمريكية وحول تآكل مصداقية شعار الولايات المتحدة الأمريكية حول الدولار القوي.
أضف الى ذلك الضعف العام في أساسيات الأقتصاد العالمي, بسبب الجائحة و مخاوف المستثمرين من موجة ثانية لفيروس كورونا والتي قد تضرب مجددا. والتوترات الجيوسياسية بين عملاقي الاقتصاد العالمي الصين والولايات المتحدة, وقرارات البنوك المركزية بشأن أسعار الفائدة والتي ستبقى منخفضة لفترة طويلة وأن الطلب لا يزال منخفضًا تمامًا مثل الإنتاجية. ولا ننسى أيضاً استمرار ضعف الدولار الذي يلوح في الأفق, وكذلك الخوف من ارتفاع التضخم الذي حتماً سيجعله أكثر تكلفة.
يعتبر الذهب الملاذ الآمن للمستثمرين والذي تقفز أسعاره بصورة كبيرة في أوقات الأزمات و سلعة غالبا لا ترتبط بأي شئ آخر عن كونها أداة فعالة للتحوط من المخاطر الاقتصادية والمالية. وعلى عكس النقود الورقية في حالة ارتفاع التضخم, يجعل شراء الذهب مخزناً للقيمة ويزدهر خصوصاً عندما يسيطر عدم اليقين وانعدام الثقة في الاقتصاد على العالم. ناهيك عن أن المعروض من الذهب, والفضة أيضا, الذي لا يتغير كثيرا من عام الى آخر, حيث أصبح تعدين النقدان أكثر صعوبة بمرور الوقت.
فهل يكمل الذهب مسيرته؟
بعد هذا الزخم الكبير في أسواق السلع و الذي يتسارع الآن, ما زلت أرى على المدى المتوسط والطويل مزيداً من الأرتفاع لأسعار الذهب وأن تذبذب ليأخذ أنفاسه . فهذا التسارع لشراء المعدن الأصفر ليس من جهة واحدة من أجل الحصول على ربح سريع مثلاً, بل هوشراء عالمي والبنوك المركزية العالمية في مقدمتها. ولا أستبعد أذا أستمر هذا الزخم أن نصل الى مرحلة يرتفع فيها الطلب على المعروض مما يجعل ملاك الذهب يبحثون عن كمية اضافية لبيعه. ولا أستبعد أيضاً أن يلجأ بعض هولاء المضاربين لبيعه على المكشوف لتحقيق أرباح رأس مالية سريعة. فما كان يعتقده كثير من المحللون الاقتصاديون أن العلاقة العكسية بين الدولار والذهب كادت تتلاشى أصبحت من الماضي. بل ها هي ترجع من جديد وكأن التاريخ يعيد نفسه. انعدام الثقة في الدولار وتضخم الأسواق بالإضافة الى كل ما ذكرت أعلاه, ما هي الا إشارات حتمية تخبرني بأن الذهب سيواصل الارتفاع. هذا والله أعلم!
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال