الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لماذا نحتاج أن نحمي روّاد الأعمال لدينا من مرض التفوق الوهمي كمتطلب هام لاقتصاد ريادي في المستقبل؟
العديد من روّاد الأعمال يعانون – دون ادراك منهم – بمرض التفوق الوهمي ويعرف باسم “تأثير دانينغ وكروجر” (Dunning-Kruger Effect) ، وهو عبارة عن تحيز إدراكي مبالغ فيه عند هؤلاء، خاصة من محدودي التعليم أو ذوي القدرات المنخفضة في تقدير قدراتهم، مما يجعلهم عرضة لأن يتوهمون بأنهم يستطيعون إنجاز أعمال مبهرة، خاصة في مجالات إيجاد منتجات وخدمات وتأسيس منشآت وإدارتها، ومن ثم تكون الكارثة.
أجريت دراسة “دانينغ وكروجر” (الحاصلان على جائزة نوبل عام 2000 ) في أمريكا الشمالية وأظهرت نتائج هامة، إلا أنها لم تعطي نفس النتائج في مواقع أخرى. ففي اليابان على سبيل المثال، لم تكن النتائج مماثلة بسبب أن الثقافة اليابانية تميل الى انتهاج مبدأ عدم التفاخر بالقدرات، وينظر الإنسان الياباني الى أن الفشل مفتاح التعلم للنجاح، وتشارك عدة مجتمعات في العالم المجتمع الياباني في هذا التوجه الثقافي، مما يساهم في تفسير دواعي تفوقهم في ريادة الأعمال وتأسيس المنشآت. أما في مجتمعاتنا العربية فالمفاخرة والتمجيد وتضخيم الذات تعتبر عناصر تدخل – بشكل أو بآخر – في بنية الموروث الثقافي لفئات فيها، والذي يجعل نظرية “تأثير دانينغ وكروجر” مقلقة لنا.
لذلك، لا بد من حماية أبنائنا وبناتنا الروّاد من مرض التفوق الوهمي، ومن المفترض أن تكون هذه الوقاية من ضمن المهمات ذات الأولوية للجهات الداعمة لروّاد الأعمال حاليا (خاصة الجامعات) لسببين رئيسيين:
الأول:
رؤيتنا الوطنية ستمضي قدما نحو المستقبل وقد حجزت مساحة واسعة لروّاد أعمال المملكة لكي يشاركوا بل ويقودوا عملية النجاح للوصول للمخرجات المرجوة. والتحديات الاقتصادية التي تنتظرنا (الاقتصاد العالمي يعيد تشكيل نفسه ما بين خلق توازنات إقليمية لمواجهة العولمة، واحتمالية الانكفاءات الذاتية للعديد من اقتصادات الدول خوفا منها) تحتاج منا تأهيل ودعم روّاد أعمال على وعيٍ عالٍ بقدراتهم ومكامن النقص الفني والمعرفي فيهم التي تحتاج معالجة.
الثاني:
الاحتمالية قائمة – في المرحلة المقبلة – أن يزداد عدد الروّاد ممن يعانون من الخسارة المالية العالية، ومع احتمالية إصابتهم بمرض التفوق الوهمي، يصبحوا – لقسوة الظروف – مادة قابلة لتمرير صفقات احتيال مالية، وقد تصل الى حد قبول أن يكونوا قنوات لتمرير عمليات غسل الأموال (زعيم المافيا الأشهر “أل كابوني” مرّر أموال الجرائم من خلال مغاسل الملابس الصغيرة وأخذت العملية اسمها “غسل الأموال” من مغاسل الملابس)، فمثل هؤلاء يكونوا كمن يغرق ويحتاج لأي شيء فوري ينقذهم، لذلك هم هدف سهل لممارسي غسل الأموال، وبسبب التفوق الوهمي الذي يعانون منه، فهم يعتقدون أنهم يمتلكون القدرة على التعامل مع الأمر بذكاء ليكونوا بمأمن من أي تبعات قانونية.
ربما لم نتنبه لهذه المسألة في مرحلة سابقة، ولكن يمكن تدارك الأمر، خاصة في ظل أن أدوات تأهيل روّاد الأعمال المتوفرة اليوم تحتاج للتجديد، بحكم متطلبات المستقبل الذي يتشكل بوتيرة متسارعة. وهنا توجد فرصة لوضع اختبارات نفسية للكشف عن مرض التفوق الوهمي لمن يعتقدون أنهم روّاد أعمال لكي يكتشفوا أنفسهم، ومن ثم العمل على علاج هذه الحالة التي ربما يعاني منها بعضهم وذلك من خلال رعايتهم لكسب المهارات الذاتية والفنية المطلوبة.
كما أن هذا الاختبار سيساهم في تنبيه مفاصل اقتصادنا للتحوط من تبعات روّاد أعمال يعانون من التفوق الوهمي بمنشآت غارقة ومكلفة الإصلاح، وربما يساهم هذا الاختبار في الكشف لأرباب العمل في القطاعين العام والخاص عمّن يوظفون أو من يعينون في إدارة مشاريعهم لغرض حماية كياناتهم من الفشل في الإنجاز بسبب أشخاص يعانون من “تأثير دانينغ وكروجر”.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال