3666 144 055
[email protected]
” لا حظ بهدوء وأمن موقعنا لا تكشف قدراتنا وانتظر فرصتنا. كن ماهراً في التصرف دون لفت الانتباه، ولا تدعي الزعامة أبدا” – من هذه المقولة التي أطلقها الزعيم” دنغ شياو” للنهج الصيني الخارجي ومن ضمنها النهج الاقتصادي لمساعدتها في الانطلاق إلى الأراضي الغنية بالثروات وتسارع وتيرة الاقتصاد الرأسمالي الناشئ بها، نجد أن الصين قد بدأت في نشر نفوذها على القارة السمراء من خلال الاتفاقيات والمشاريع المشتركة سعي منها لثروة القارة، فأن الباحثين والمتابعين للشأن الصيني والإفريقي يعلمون أن العلاقات التجارية كانت منفصلة ومتباعدة بين الصين والدول الإفريقية وحصل تغير مفاجئ بينهم، والسؤال هو كيف يمكن أن يتم استيعاب التغير المفاجئ في العلاقات بين الصين ودول القارة الإفريقية خلال الخمسة والعشرون سنة الماضية؟ وأيضا ماهي الدوافع والأدوات التي تستخدمها الصين للدخول الشرس اقتصاديا في القارة ومنافسة الدول التي سبقتها؟
نجد ان الصين قد ادركت ان القارة الافريقية بثرواتها واراضيها تمثل اكبر داعم لاقتصاده لذا قررت استخدام “القوة الناعمة” بدلا من “قوة السلاح” كما فعل الغرب وانتهى به الحال الى شبة الخروج منها، فقد حرصت الصين خلال منتدى القمة الصينية –الإفريقية في عدة مناسبات (منتدى التعاون الصيني – الإفريقي (فوكاك FOCAC) أكتوبر 2000م، نوفمبر 2006م، يوليو 2012م وسبتمبر 2018م) بتجديد العلاقات مع الخارج وخاصة مع القارة السمراء حيث تعهدت الحكومة الصينية بعدة برامج ومن هذه البرامج تقديم خمسة مليارات دولار أمريكي على شكل سلف وقروض بمعنى تسهيلات للحكومات في البلدان الأفريقية وخاصة الفقيرة منها، قامت أيضا بمضاعفة مساعداتها التنموية مع حلول عام 2009م وتعهدت بزيادة التجارة البينية الى أكثر من 100 مليار دولار أميركي مع حلول عام 2010م وأيضا صفقات تجارية بقيمة 1.9 مليار دولار، هذه الصفقات والمساعدات والبرامج التي تمت على أرض الواقع بمساعدة الحكومة الصينية للشركات والمصارف الصينية قد ساعدت ان تصبح الصين الشريك التجاري شبة الوحيد الأكبر لإفريقيا.
ان اهتمام الصين المكثف والزائد نحو أفريقيا يرجع لتميزها بعدة عوامل ومن ضمنها الموقع الجغرافي والموارد الكبيرة في باطن الأرض مثل البترول والغاز الطبيعي واليورانيوم وكميات ضخمة من المعادن الاخرى والتي تقدر كالتالي حوالي 80% من إنتاج البلاتين في العالم، وحوالي 40% من إنتاج الماس العالمي، و25% من إنتاج الذهب العالمي، و27% من إنتاج الكوبالت، وحوالي 9% من الحديد، ويتراوح احتياطها من الحديد والمنجنيز والفوسفات من 15% إلى 30% من إجمالي الاحتياطي العالمي.
فقد اهتمت الحكومة الصينية على ان تجعل مبدأها الظاهر لرؤساء وشعوب القارة الافريقية بأننا شركاء تجاريين فقط وسوف نساعدكم باستخراج هذه الثروات وتقديم المساعدات الغير مشروطة وأننا لسنا منافسين او حتى لا دخل لنا بالسياسة ويتبعون مبدأ الشغل شغل( Business is business)، وذلك للسيطرة على الموارد والمصادر للقارة الإفريقية ولتحقيق ذلك كان لابد من التحكم في السياسيون الأفارقة والشعوب وذلك عن طريق تقديم الهدايا العينية للسياسيين وبناء عشرات المباني الجديدة لبرلماناتهم مثل البرلمان في أوغندا والقصور الرئاسية في هراري وكينشاسا والملاعب الرياضية في سيراليون وجمهورية أفريقيا الوسطى وذلك عن طريق شركات بناء صينية (عمال صينيين)، أما الشعوب فقد قامت شركات البناء والتشييد الصينية ببناء عشرات المستشفيات والمدارس والطرق وسكك الحديد مثل السودان وأنغولا وأثيوبيا وخط سكة حديد بين تنزانيا وزامبيا وأيضا خط سكة حديد بين مدينتي مومباسا و نيروبي في كينيا.
سعت الصين وبقوة لأن تكون الشريك رقم واحد في القارة الأفريقية وهي تضع مواردها نصب عينها وفي عام 2006م أصبحت الصين ثالث أكبر شريك تجاري بعد أمريكا وفرنسا حيث بلغت صادرات أفريقيا من 2.6 الى أكثر من 9.3% والذي يميز الصين هو التركيز على موارد معينة في بلدان معينة مثل أنغولا والغنية بالنفط، حيث أصبحت أكبر مزود أجنبي للنفط للصين ومتفوقة على السعودية عام 2006م. وفي عام 2015م واردات بمقدار 38.4 مليار دولار تتمثل في المعادن والفواكه والمنتجات الزراعية ووصلت التجارة بين الصين وبلدان القارة الأفريقية الى 170 مليار دولار بزيادة تبلغ 14% على أساس سنوي تخيل هذه الزيادة السنوية في النمو المتسارع على أرض الواقع!! ، مما سمح لها بتكوين علاقات مع جميع البلدان الافريقية بغض النظر على توجهاتهم السياسية او الدينية ومثال تطور العلاقات التجارية بين مصرو الصين بنحو 4.2 مليار دولار خلال العامين 2017م و2018م والتبادل التجاري وصل الى 2.84 مليار دولار خلال الربع الأول من العام 2018م.
تميزت الحكومة الصينية في تطبيق سياساتها على ارض الواقع في افريقيا انها اتبعت نهج مغاير عن الاخرين مثل أمريكا والدول الاوروبية حيث ان وجودها من خلال الشركات الصينية المختلفة والمصارف الصينية هو للتجارة فقط ولا دخل للسياسية “القوة الناعمة”، تم إطلاق عدة حملات و شعارات مثل ” لا قيود سياسية” وساعدت تواجدها من خلال القروض الميسرة وأيضا إسقاط بعض الديون على الدول الفقيرة، وقد أتبعت الحكومة الصينية عدة مبادئ مثل الإخلاص والمساواة والمنفعة المتبادلة والتضامن والتنمية المشتركة للتبادل والتعاون مع دول أفريقية وكذلك لتأكيد تواجد الصين بشكل تجاري وليس سياسي هو إعلان رئيس الوزراء ون جياباو wen Jiabao “اننا نقدم مساعدتنا لإفريقيا بعميق الإخلاص ومن دون شروط سياسية”، وكذلك فقد استغلت الصين الظروف السياسية لصالحها مثل توتر العلاقات الأمريكية السودانية خلال حكم كلينتون عام 1997م وذلك بفرض عقوبات على دولة السودان وبجانب دول اخرى وقامت الصين بملئ الفراغ الاقتصادي في عدة دول مثل السودان وإيران وفنزويلا واوزبكستان وكمبوديا وغيرها.
أدركت الحكومة الصينية أن القارة الافريقية مليئة بالموارد والتي لم تستغل وبذلك قامت بتأسيس 11 مركزا للنهوض بالتجارة في جميع أنحاء القارة والتشجيع والدعم المالي الضخم للشركات الصينية بالتواجد في القارة حيث بلغ عدد الشركات الصينية العاملة في أفريقيا أكثر من 800 شركة موزعة على 49 دولة افريقية، بجانب موارد الطاقة قامت الحكومة الصينية بالتركيز على موارد أخرى تجارية مثل قطع الأشجار لأغراض تجارية في ليبيريا وغينيا الاستوائية ومزارع القطن والسيزال في تنزانيا وإعادة تأهيل البنية التحتية للنقل في بوتسوانا وصناعة النسيج في زامبيا وكينيا واتصالات سلكية ولا سلكية في جيبوتي وناميبيا.
وأخيراً نجد أن الصين حرصت على تعزيز تواجدها في كل بلد على حدة في قارة افريقيا، حيث قامت بإرسال مستشار اقتصادي على أرض الواقع من خلال تواجده في السفارات الصينية في الخارج وهو المسؤول عن الإدارة والإشراف والتقييم والرقابة وذلك لعملية بحث عن موارد جديدة لم يمسها أحد من قبل وأسواق جديدة وشركاء دبلوماسيين على ثقة للتوسع التجاري الصيني المكثف، وبجانب تشجيع الحكومة الصينية للشركات والمصارف الصينية بالتواجد في القارة الأفريقية فقد ساعد تواجدها بشكل ملحوظ خلال العشرين سنه الماضية عدة عوامل مثل الطاقة البشرية (العمال الصينيين) الهائلة وكذلك امتلاك رأس المال وثبوت قدرتها التكنولوجية بجانب السياسية.
ان الصين تعمل على أرض الواقع أي أن هناك أرقام يتم تحقيقها ومشاريع حقيقية موجودة في أغلب البلدان الأفريقية وخاليه من الأمور السياسية ومن الممكن أن الشعوب الأفريقية ترى ما تفعله الصين عن طريق شركاتها في جميع المجالات (طرق، تشييد، بناء، اتصالات، تنقيب، زراعة) والمنتشرة في بلدانهم والتطور الغير مسبوق على ارض الواقع مقارنة بدول أخرى مثل أمريكا وفرنسا والتي سبقت الصين بعشرات السنوات
ان معظم الدول الافريقية تعتبر الصين مصدراً لأموال الاستثمارات لإنشاء البنية التحتية والنهوض بها اقتصادياً لكي تسابق في ركب التطور والتقدم، ولكن ما تقوم بها الصين في القارة لا يبشر بذلك الخير بل يمكن اعتبارة نوعاً جديد من أنواع الاستعمار فان خطر القروض والسلف يحدق بتلك الدول النامية وبقدرتها على السداد، فإن معظم الشركات الصينية تجلب عمالتها الخاصة مما يضيق الفرصة على السكان المحليين المشاركة في تلك المشاريع والمساعدة في القضاء على جزء من مشاكل البطالة في تلك البلدان وبالتالي المساعدة في رفع اقتصادها وسداد ديونها، لذا نلاحظ ان الصين هي الخطر الأعظم الذي يحدق بالقارة الافريقية والذي قد لا يسمح لها بالوصول الى تلك النهضة والتطور المنشود.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734