الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يبدو الاقتصاد مثل بوتقةٍ تَنصَهِرُ فيها رؤوس الأموال التي تدورُ دون توقُّفٍ ضمن دائرة الإنتاج، لكنَّ النقطة الأهم في هذا السياق هو طبيعة ملكية رؤوس الأموال تلك، حيث إنَّ هذه الملكية تعني توزيع الحقوق والسيطرة على الإدارة.
في العقود التي سبقت عام 1990 كان الحديث عن انتقال ملكية رأس المال من الدولة نحو القطاع الخاص غير مقبولٍ لدى الكثير من الخبرات الاقتصادية في العالم، بسبب انتشار آثار فكرة إدارة الدولة للاقتصاد بصورةٍ شبهِ تامةٍ سواءً بشكلٍ مباشرٍ عبر الملكية أم غير مباشرٍ عبر التنظيم والرقابة الصارمة وتحديد الملكية الخاصة.
إلاَّ أنَّ تجربة انتقال ملكية رأس المال إلى القطاع الخاص قد نجحت في الكثير من الدول بعد تلك الحقبة، حتى في الصين التي كانت تتبنَّى رؤىً اقتصاديةً مغايرةً، سواءً أكانت عملية الانتقال تلك بمعناها الضيق الذي يتمثَّل بالملكية، أو بمعناها الواسع الذي يُشيرُ إلى تحرير القيود على الاستثمار وانتقال رؤوس الأموال.
“الخصخصة” “Privatization” هي انتقال ملكية رأس المال والأصول في المشاريع الكبرى الاستراتيجية في الدولة من الملكية العامة إلى الأفراد، ويمكن القيام بالخصخصة عبر طرح أسهم من رأس مال الشركات المملوكة للدولة إلى المستثمرين، بحيث يمكن تحويل نسبةٍ من ملكية رأس المال إلى القطاع الخاص.
يمكن اختصار أهم إيجابيات الخصخصة:
*توزيع الناتج القومي الإجمالي على الأفراد؛ وبهذه الطريقة تشمل فوائد الاستثمار شريحةً كبيرةً من المجتمع، عوضاً عن أن تَبقى حِكراً على الدولة إدارةً وعوائداً.
*تخفيف الضغط على ميزانية الدولة؛ وذلك نتيجة انخفاض حاجة المواطنين للدعم الحكومي بعد تحقيقهم لعوائدٍ شخصيةٍ يُعاد تدويرها إلى ذممهم المالية مباشرةً.
*زيادة السيولة المطروحة في أسواق المال؛ وهو الأمر الذي سينعكس إيجاباً على حركة جميع الشركات من القطاع العام والخاص، ويؤدِّي إلى زيادة سرعة دوران رؤوس الأموال التجارية، وطرحه للمزيد من الأرباح أو تجاوزها للخسائر السابقة.
*جاذبية السوق المحلية للاستثمار الأجنبي؛ وهو أمرٌ في غاية الأهمية لجذب السيولة الأجنبية وزيادة احتياطي الدولة من العملات الأجنبية، ورفع قيمة العملة الوطنية.
على الرغم من هذه الإيجابيات الهامة والاستراتيجية على اقتصاد الدولة، إلاَّ أنَّ كل دولة لها خصوصيَّتها التي يجب أن تراعيها الجهات الحكومية القائمة على تنفيذ برنامج الخصخصة.
حيث إنَّ قدرة القطاع الخاص على النهوض بالاقتصاد، سيُقابله زيادة الثروة لدى شريحةٍ اجتماعيةٍ قادرةٍ على الاستثمار في مواجهة شرائحٍ كثيرةٍ غير قادرةٍ عليه، الأمر الذي سيُوسِّع من الفروق الطبقية في المجتمع، ويُساهم في إلغاء الطبقة الوسطى من الشباب خاصةً.
كما أنَّ هيمنة القطاع الخاص ستؤدِّي شيئاً فشيئاً إلى انتشار ثقافة سيطرة رأس المال على باقي قيم المجتمع مثل التعاون، حيث يمكن أن تنتشر مجموعة من القيم المادية البعيدة عن ثقافة المجتمع.
هذا كله في مواجهة سلطة الدولة على الاقتصاد وأسواق المال التي ستبدأ بالتراجع حتى تحلَّ محلها قوَّة السوق الحرة على التسعير، الناتجة عن العرض والطلب فقط.
والأمر الآخر، هو سيطرة رأس المال الأجنبي على الشركات التي تدير الموارد الاستراتيجية في الدولة، الأمر الذي قد يؤدِّي إلى استغلال ثروات الدولة ومواردها المالية من جهاتٍ خارجيةٍ لا تسعى سوى إلى مُراكَمَة الأرباح دون أدنى نظرٍ إلى حاجات المجتمع ومعاناة مواطنيه.
وبالنظر إلى المملكة، فإنَّ برنامج الخصخصة فيها يُعتبر أكثر من ضروري بغرض توسيع شريحة المستفيدين من الاستثمار في الموارد الاستراتيجية، خاصة استكشاف واستخراج وتكرير النفط، ولنا في نجاح طرح أرامكو خير مثال.
إلاَّ أنَّ نجاح برنامج الخصخصة السعودي يحتاج بالدرجة الأولى إلى تحقيق الملاءمة مع خصوصية الاقتصاد السعودي الذي يعتمد أولاً على الشركات العائلية، وتسود فيه شريحة الشباب المُترقِّب لفرصة العمل والاستثمار.
مثل هذه الظروف تُناسب عملية الخصخصة، لكن في إطارٍ تدريجيٍّ متناسبٍ مع قدرة المواطنين على الاستثمار، ومتناغمٍ مع حاجة المملكة لجذب الاستثمار الأجنبي.
بهذه الطريقة يمكن أن تتجاوز عتبة النمو في الاقتصاد السعودي النسب المتوقعة، لأنَّ ضخَّ الأموال في الشركات المملوكة للدولة سيؤدِّي إلى دفع عملية الاستثمار والتطوير بما يتجاوز القدرات المحدودة ضمن شكليات وروتين إدارة أموال الدولة.
وهذا الأمر يتطلَّب تمويل الشرائح الاجتماعية غير القادرة على الاستثمار خلال تنفيذ برنامج الخصخصة، ومن ضمنها الشباب خاصةً من جهة، ثم الرقابة على التزام جهات الاستثمار الأجنبي بالأنظمة النافذة، وقيامها بمسؤولياتها الاجتماعية تجاه الاقتصاد والمجتمع السعودي من جهة أخرى.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال