الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تنمية الدخل الأسري، أو “الفردي” واستقراره، يعدُّ أحد أهمِّ أهداف خطط التنمية الاقتصاديَّة الوطنيَّة، ومن المهام الأكثر تحدِّيًا للمخطِّطين ومتَّخذي القرارات السياسيَّة والاقتصاديَّة. معدَّل الدخل الفردي، وحصَّة الفرد من الدخل القومي من المعايير المعتمدة في التمييز بين اقتصاديات الدول المتقدِّمة والدول النامية والصاعدة.
هذه الأهمِّيَّة الحيويَّة تعود إلى دور الأفراد المحوري في مجمل الفعاليَّات الاقتصاديَّة، وإلى أسهامهم في دورة تكوين الدخل القومي، وموقعهم مكوِّنًا أساسًا من مكوِّنات الكيان الاقتصادي، وعلاقاتهم بالمكوِّنات الثلاث الأُخرى: القطاع الحكومي والمنشآت الخاصَّة والمنظَّمات الإنسانيَّة الاقتصاديَّة غير الربحيَّة.
هناك معادلة ترابط وتأثير متبادل تنظِّم العلاقة بين تغيُّرات الدخل الأسري والنموِّ الاقتصادي. فارتفاع الدخل الفردي يقود إلى زيادة الناتج الإجمالي المحلِّي التي بدورها تسهم في تنمية الدخل الفردي. زيادة دخول الأفراد تنتج سلسلة مترابطة من التفاعلات الاقتصاديَّة الإيجابيَّة، من أبرزها زيادة كلٍّ من الإنفاق الاستهلاكي والطلب الكلِّي وكمِّيَّة الانتاج والادِّخار والاستثمار والناتج المحلِّي الإجمالي، وانخفاض معدَّل البطالة وحجم الإنفاق الحكومي على برامج الدعم المجتمعي.
التأثير المتبادل بين التغيُّرات في الدخل الفردي، ونموِّ الاقتصاد، يتوقَّف على محدَّدين مترابطين؛ سلوك الأفراد الاستهلاكي، ونسبة الدخل الموجَّه نحو الادِّخار والاستثمار. نظريًّا، يوزِّع الأفراد دخلهم الشخصي على فقرتين أساسيِّتَن: الإنفاق الاستهلاكي والادِّخار. زيادة الدخل الفردي ترفع الإنفاق الاستهلاكي بنسبة تعتمد على الميل الحدِّي للاستهلاك. والرصيد المتبقِّي من الزيادة، يوجَّه للادِّخارالشخصي. ومجموع الادِّخار الوطني، يُخصَّص للاستثمار الكلِّي لتعزيز عمليَّة التراكم الرأسمالي، وزيادة الناتج المحلِّي الإجمالي.
تنمية الدخل الأسري في الاقتصاديَّات النامية والصاعدة معضلة معقَّدة، ومهمَّة تخطيطيَّة بالغة الصعوبة. وقد أخفقت في تحقيقها دول عديدة، ولأسباب تعود إلى اختيار استراتيجيَّة تنمويَّة خاطئة، ووضع أهداف عالية نسبيًّا وغير منسجمة مع الموارد المتاحة. بالإضافة إلى أخطاء تتعلَّق بتحديد البرنامج الزمني لتحقيق أهداف الخطَّة.
تنمية الدخل الفردي، لا يُقصد منه زيادة أجور العاملين في القطاع العام، أو تحديد الحدِّ الأدنى لأجور العاملين في القطاع الخاص بقرار سياسي ، أو رفع مقدار إعانات الدعم المجتمعي المقدَّمة للأسر ذات الدخل المتدنِّي، مع أهمِّيَّة هذه القرارات، وتأثيرها في تحسين الوضع المعاشي للأفراد. بل زيادة دخول الأفراد الناجمة عن إسهاماتهم الفعليَّة في نشاطات الاقتصاد، وارتفاع معدِّل إنتاجيتهم.
إنجاز خطَّط تنمية الدخل الأسري، وزيادة نسب الادِّخار والإنفاق الاستثماري الفردي، وتعزيز حجم الادِّخار الوطني، والتراكم الرأسمالي ونموِّ الاقتصاد، مهام صعبة تواجه جملة من المعوقات السلوكيَّة والتحدِّيات البنيويَّة. أوَّل تلك المعوقات، يكمن في تفاقم البطالة وارتفاع معدَّلها، وانخفاض إسهام العنصر النسوي في قوَّة العمل. تدنِّي المستوى العام للأجور يشكِّل أيضًا عاملًا معوِّقًا، ويصعِّب عمليَّة رفع معدَّل الدخل الأسري إلى مستويات قادرة على بناء رصيد ادِّخاري.
إلى جانب المعوِّقين المذكورين، يشكِّل ارتفاع الميل الحدِّي للاستهلاك، والإنفاق الأسري حاجزًا صعبًا آخر لتراكم الادِّخار والإنفاق الاستثماري الأسري. في كثيرمن الاقتصاديَّات النامية إنفاق الأسرة الاستهلاكي يفوق دخلها الشهري ، ممِّا يدفعها إلى الاقتراض؛ “إدخِّار سلبي” لتغطية الفجوة الدخليَّة. إلى جانب المعوقات الأساسيَّة أعلاه، ثمَّة عوامل اقتصاديَّة واجتماعيَّة أُخرى تسهم في صعوبة تنمية الدخل الأسري، منها: ارتفاع نسبة التضخَّم والعزوف التقليدي عن الادِّخار، وانخفاض معدَّلات الإنتاجيَّة، وأسعار الفائدة، ومعدَّل العائد على الاستثمار.
ما هي الآليَّات التي يتيح اعتمادها تنمية دخول الأفراد، وزياد معدَّل ادخَّارهم وإسهامهم في التراكم الرأسمالي الوطني ونموِّ الاقتصاد واستقراره؟
النظريَّة الاقتصاديَّة، تقدِّم خريطة شاملة لتحدِّيات الاقتصاد وآليَّات تحقيق الأهداف. لكن نجاح الاستراتيجيَّات أو فشلها في تحقيق أهدافها، يعتمد على أداء المؤسَّسات المخططة والمنفذة وقدراتها وكفاءتها وبرامجها . تنمية الدخل الأسري لا يمكن ان يتحقق الا عبر تبنِّي إصلاحات جذريَّة ، ومعالجة الاختلالات الهيكليَّة في الاقتصاد الوطني ، وبناء قواعد اقتصاديَّة صلبة ومتَّسقة.
نموِّ معدَّل الدخل الفردي مرتبط – كما أسلفنا – بنموِّ الاقتصاد الوطني وتطويره، ويمكن تحقيقه من خلال مراعاة العوامل التالية:
أوَّلًا؛ تركيز سياسات الاقتصاد الكلِّي على هدف رفع مستوى الاستخدام، وتحفيز الطلب على العمل، والالتزام بتحقيق هدف معدَّل بطالة معيَّن في مدَّة زمنيَّة محدَّدة.
ثانيًا؛ تطوير القطاعين الصناعي والزراعي وفق استراتيجيَّة تنمويَّة شاملة؛ “إحلال الاستيرادات، أو تنمية الصادرات”، وتحفيز القطاعات الإنتاجيَّة والخدميَّة الأُخرى، وإعادة النظرفي هيكل التجارة الخارجيَّة.
ثالثًا؛ توسيع إسهام القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، وتفعيل دورالشركات المتوسِّطة والصغيرة في النشاطات الانتاجيَّة والخدميَّة ودعمها، ونشرروح المبادرة والابتكار.
رابعًا؛ تحقيق التنمية الإقليميَّة المتكافئة، وتطوير اقتصاد المناطق الواعدة التي لم تنل نصيبها من برامج التنمويَّة والاستثمارت الحكوميَّة والخاصَّة خلال المراحل السابقة، وإيجاد فرص عمل للأسر في المناطق الريفيَّة ودعم المنتجات الزراعيَّة والحيوانيَّة المحلِّيَّة.
خامسًا؛ العمل على رفع معدَّلات الانتاجيَّة في جميع القطاعات عبر برامج التدريب وتطوير الأداء.
سادسا:تحديث مناهج التعليم وتطوير المنظومة التعليمية . التعليم يلعب دوراَ مهماَ في تحسين الدخل الفردي وفرصه المهنية.
النجاح في تنفيذ هذه السياسات والبرامج، يقود إلى رفع معدَّل الدخل الأسري وزيادة نسب الادِّخارالفردي وحجم كلٍّ من الادَّخار الوطني والاستثمار الكلَّي والتراكم الرأسمالي، والناتج المحلِّي الإجمالي .
لا توجد علاجات سريعة وحاسمة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية. فتبنِّي السياسات، وإنجاز الخطط المبيَّنة أعلاه، وإن كانت مهامًّا صعبة، لكنَّها قابلة للتنفيذ. وسبق أن اعتمدها كثيرمن الدول، لرفع معدَّل الدخل الفردي الذي شكَّل انخفاضه معوِّقًا لنموِّ اقتصادها واستقرارها .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال