الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
العالم مسلوب الإرادة عندما يتعلق الأمر باستجابته لتبعات حدث مفاجئ من النوع الصادم، كما حصل مع جائحة فيروس كورونا التي ربما سنترحم على أيامها الخوالي عند مقارنتها مع ما يمكن أن نراه من تغييرات جذرية في كل مفاصل الحياة نتيجة ما يسمى بالتكنولوجيا العميقة التي ستغير وجه الاقتصاد العالمي تماما وقريبا جدا.
بسبب التطور المذهل في البحث العلمي التطبيقي، تكاد تصنف التكنولوجيا الحالية بالسطحية، فالعالم على موعد مع سلسلة من المفاجئات المسببة لتغييرات جذرية في الواقع الاقتصادي، مما سيعيد ترتيب الأولويات في العديد من دول العالم وربما مواقعها.
احدى هذه التغييرات الجذرية الصادمة والمؤلمة، المُغيِّرة لقواعد اللعبة في مجال محدد هو بسبب ما يسمى بتكنولوجيا التحكم الذاتي في مركبات المواصلات وخاصة السيارات. يستثمر حاليا أكثر من 40 شركة كبرى عالمية في مجالات الذكاء الاصطناعي وأنظمة التشغيل وصناعة السيارات – بما يوازي ميزانيات دول في أبحاث تكنولوجيا التحكم الذاتي – للوصول إلى أنظمة تشغيل ذاتية التحكم للمركبات بشتى أنواعها، والمنافسة شديدة بينهم ولن ينتظر أحد منهم الآخر حتى يصل الى نظام تشغيلي ويقلده، فالمستقبل كعنق الزجاجة الضيق، مساحة محدودة جدا لمرور الروّاد فقط نحو المستقبل والتحكم في اقتصاده.
هذه الشركات توصلت لنتائج – حسب مخرجات ابحاثها – أنه بحلول عام 2030 ستكون تكلفة المركبات الكهربائية ذاتية التحكم أقل من ربع تكلفة اقتناء وتشغيل مركبة تقليدية تعمل بالوقود الأحفوري. لذلك، متوقع أن نرى ارتفاع متسارع في اقتناء الشركات (ذات الأساطيل مثل أوبر) للسيارات الكهربائية، وانخفاض متسارع للأفراد في تملك السيارات والوسائل الأخرى. وتتوقع هذه الشركات أن بحلول عام 2030 ستكون 95% من السيارات في الولايات المتحدة – على سبيل المثال – كهربائية ذاتية التحكم.
أما المذهل هو في أن تسارع استبدال السيارات التقليدية بذاتية التحكم يدعمه ما توصلت له هذه الشركات من نتائج صادمة، فشركة “تسلا” – على سبيل المثال – أظهرت أبحاثها أن وسائل النقل المتحركة بواسطة التحكم الذاتي هي أأمن من الوسائل التقليدية التي يتحكم فيها الانسان بأكثر من ٨ مرات حاليا، ومتوقع أن يرتفع مستوى الأمان ليدخل نطاق 10 – 20 مرة، مما يجعل الانسان (السائق) هو الخطر الأول على الطرقات، الذي يتسبب في إزهاق أكثر من مليون روح في العالم سنويا، ولا تستبعد الدراسات في هذا الخصوص الوصول لتشريع عدم السماح للإنسان أن يقود مركبة مواصلات أرضية، ولنا أن نتخيل ماذا يمكن أن يتغير في هذا العالم لو حصل ومنع الإنسان من قيادة سيارة أو دراجة أو أي وسيلة نقل أخرى!
إضافة، مثل هذه التكنولوجيا جذرية التغيير ستجعل الأفراد لا يحتاجون لاقتناء سياراتهم الخاصة، لان خدمة التوصيل ستكون متوفرة وبكثافة، ومع حقيقة أن معدل وقوف السيارة عند مالكها تقدر بحوالي 96% من الوقت ولا تستخدم السيارة أثناء اقتنائها – في المتوسط – أكثر من 4% من الوقت، فحسب النظرية الاقتصادية يعتبر اقتناء سيارة بمثابة استثمار مرتفع التكلفة وغير مجدي، ويمكن توظيف هذا الاستثمار في أمور أخرى أكثر نفعا.
انعكاسات التكنولوجيا في الثلاثين سنة الماضية على الاقتصاد العالمي كانت سلسة، بعكس ما سنراه من التكنولوجيا العميقة التي ستكون ضرباتها عنيفة وبلا رحمة. التحكم الذاتي في المواصلات – كمثال واحد فقط – سيكون له انعكاسات عنيفة على مجالات عديدة، مما سيغير شكل الاقتصاد تماما بحيث لا تتناسب مسميات اليوم مثل “المعرفي” أو “الرقمي” لكي نُعرِّف بها نوعية اقتصاد الغد … القريب جدا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال