الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
نحن الآن أمام واقع جديد ستفرضه علينا جائحة كورونا، ليس فقط اقتصاديا إنما اجتماعيا وصحيا، وربما تفرض علينا تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة في تسريع وتعميم وتمكين الاقتصاد العالمي الجديد، ومن أبرز المتغيرات المتوقعة انتقال الكثير من نظم العمل غير الميدانية للعمل الرقمي وعن بعد من المنزل، مع ازدياد الاعتماد على التكنولوجيا في التواصل الاجتماعي وتراجع العلاقات البشرية والأسرية، كما أن الواقع الجديد بعد جائحة كورونا سيبرز في تراجع أهمية العمل من المكاتب كموقع ضروري للعمل وتراجع الميل لعمل الجماعي وجها لوجه، ومن اهم ملامح المرحلة المقبلة زيادة الطلب لتوظيف عاملين وموظفين عبر الأنترنت في مقابل عمالة اجنبيه تعمل من دول خارجية تتميز بانخفاض رواتبها وهو ما يرفع الكفاءة ويخفض تكاليف التشغيل، إلا انه يرفع من معدلات البطالة المحلية، وفي مجال التعليم سوف تبرز تحولات جذرية في طرق التعليم والاستخدام الكثيف للتعليم الرقمي وتراجع الحاجة للمدارس التقليدية، أما المفاهيم الجديدة لحركة السير والتسوق والاجتماعات، فسوف تحد من النشاط البشري تحت مسمى التباعد الاجتماعي.
هذا بالطبع جزء بسيط من المتغيرات التي ستظهر مستقبلا ولعل أهمها الاقتصاد الرقمي والتي تعد الآلية التي ستحرك وتعمل بها الأسواق، وسنرى مفهوم القيمة الاقتصادية كمقياس للمنفعة الاقتصادية التي تقدمها السلع والخدمات، والبنوك مستقبلا غير مرشحة للتمدد وتأسيس بنوك جديدة، ومن المرجح أن تتحالف على الأغلب مع مؤسسات الأموال التكنولوجية وبالتالي فهي لن تضطر لدفع مصروفات رأسمالية جديدة بل ستتجه لتخفيض النفقات.
يسير الاتجاه الاقتصادي العالمي وفق دراسة اعدها مجلس الوحدة الاقتصادية العربية حول الأثار الاقتصادية لجائحة كورونا، انه في الأغلب نحو اختفاء البورصات المالية ودخول بدائل حديثة ونظم مختلفة لتمويل المشروعات وجذب الاستثمارات والسماح للعوام بالمساهمة دون التعرض لمخاطر الأسواق المالية الحالية، وحسب الدراسة فالبورصات أصبحت اليوم بابا للمضاربات والتصرفات غير المسؤولة عالميا ومن غير المعقول الاعتماد على دعامة اقتصادية تتأثر بالإشاعات وتتسبب في خلق ركود وخسائر بالمليارات في ساعات أو دقائق معدودة، وتشير التوقعات أن مساحة الاستثمارات في الخدمات الترفيهية ستنخفض وتتجه للإنتاج الكمي والملموس، وزيادة الاهتمام بسعادة الإنسان اكثر من المطالبة بحريته، وأظهرت الدراسة أن صحة الشعوب ومستوى مناعتها ومقاومتها للأوبئة وقدرة منظومتها الصحية على المقاومة احد اهم الموارد الطبيعية التي يمكن تثمينها اقتصاديا تماما مثل المياه والزراعة والذهب والمعادن والنفط، وهذا يتطلب سلامة الطعام وممارسة الأنشطة الصحية.
العالم بعد جائحة كورونا سيتمدد أكثر نحو إحلال العديد من الوظائف البشرية للبرمجيات ومعدات ذكية، فالنظريات الاقتصادية القديمة مثل المنافسة والتطور والطمع والمثالية لم تعد صالحة وخاصة مع الأجيال الجديدة الناشئة التي ترعرعت في بيئات الإنترنت والأجهزة المحمولة والتطبيقات الذكية وظهور زيادة بالميل للاستثمار والمغامرة الفردية أكثر من ذي قبل بدل العمل بالوظيفة.
أحد نجوم المرحلة المقبلة بعد جائحة كورونا الثورة الصناعية الرابعة وظهور العملات المشفرة والرقمية وقدمت التكنولوجيا الرقمية مفاهيم جديدة للمال وقيمته بجانب التكنولوجيا المالية بديل محتمل لمفهوم المصارف التقليدية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي وتعلم الاله تهدد بإلغاء ملايين الوظائف، مستقبلا ستكون المعلومات والبيانات مادة ذات قيمة اقتصادية بجميع مراحلها ويمكن تشببها بالنفط الذي يمكن بيعه كمادة خام.
من المتغيرات القادمة أيضا النمو المتصاعد للتجارة الإلكترونية والتي يتوقع أن تغير مفاهيم السوق وطبيعة الدفع وترفع مستوى المنافسة والشفافية والضمانات التجارية، وأيضا من خلال التواصل الاجتماعي الكثير الكثير يستخدمونها لبيع منتجاتهم، وهذا يحررها من القيود القانونية، وأيضا تخفيض تكلفتها التشغيلية.
خلال اقل من سنة تمكنت جائحة كورونا في إحداث الكثير من التغييرات وإلحاق خسائر كبيرة في اقتصاديات العالم، فهي حبست العالم في عنق زجاجة وأثرت بشكل كبير على سلاسل الإنتاج والتوريد والاستهلاك، وأفضت الى معدلات بطالة مرتفعة وساهمت تراكم الأزمات السابقة فأثقلت كاهل الدول وجعلتها عاجزة من إيجاد حلول فاعلة، وهناك تساؤل هل سنعبر بركود يتبعه انتعاش مفاجئ بمجرد احتواء الفايروس ا ماننا سنشهد انتعاشا بوتيرة تصاعدية أبطأ
تقول الدراسة أن كفاءة الإجراءات التي اتخذتها الحكومات لحماية اقتصاداتها، بعدما دخل العالم بأكمله في دائرة من الغموض وعدم اليقين وتحول العالم في حالة إقفال تام، وربما كشفت أيضا أزمة كورونا أوجه الحكومات الأخلاقية والسياسية لبعض الدول في ظل الطلب المتزايد ونقص المعدات الطبية، فمثلا التشيك صادرت شحنة بمئات الألاف من أقنعة الوجه، وتم الإعلان بعدها بانها سرقت، تلى ذلك اتهام موجه لتركيا بالاستيلاء على شحنات دوائية متجه الى إسبانيا، وفي مارس الماضي وجهت فرنسا اتهاما لأمريكا للوقوف وراء قرصنة كمامات ومعدات طبية صينية كانت متوجهة الى باريس بعد عرض مجموعة من الأمريكيين شراء حمولة كانت تستعد للإقلاع من مطار شنغهاي مقابل 3 الى 4 أضعاف ما دفعه نظرائهم الفرنسيين، وفي أبريل اتهم وزير الداخلية في مقاطعة بألمانيا الولايات المتحدة الأمريكية بالقيام بأعمال قرصنة واختطاف شحنة من الكمامات التي كانت في طريقها الى برلين من بانكوك، وذكرت إذاعة كندية انه وصلت شحنة من الكمامات الصينية من خلال الولايات المتحدة الأمريكية الى كيوبيك باقل مما كان متوقعا، أي أنها تعرضت للسرقة، وأشارت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية الى أن مكتب التحقيقات الفدرالي أصدرت تحذيرات حول محاولة من مجموعات من القراصنة والجواسيس يتمركزون من عدة دول مثل الصين وكوريا الجنوبية وفيتنام ومرتبطين في كثير من الأحيان مع جهات حكومية للوصول الى سرقة المعلومات والملكية الفكرية والأبحاث الأمريكية المرتبطة بتطوير لقاحات وعلاجات كورونا، وتعرضت جامعات بريطانية تعمل على إنتاج لقاحات واختبارات طبية لهجمات إلكترونية تحمل بصمات روسيا وايران وفق ما نشرته صحيفة ديلي ميل البريطانية.
إذا كان العالم سيتغير بدرجات عالية، فمن المهم أن تكون المجتمعات لديها القدرة أو الاستعداد لمواجهة التغيرات، فحبة الضومنة قد تحركت مطلع عام 2020 ولا تزال تحرك بقية القطع، والإجراءات التي اتخذتها الدول والحكومات هي محاولة لتخفيف الأثار. من المهم أن تكون الحكومات والشعوب جاهزة للصدمات والتعامل معها بحكمة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال