الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
“العولمة هي أن يحتسي صيني شوربة خفاش في ووهان فينخصم مرتبي وأنا في مصر!” هذه النكتة وصلتني من صديق مصري ..!” هذه طرفة سمعناها و مثيلاتها بعد اجتياح الفيروس التاجي الجديد )كوفيد 19) العالم وتفشيه كمرض عابر للحدود والقارات ، وكم هي معبرة عن مفهوم طريف للعولمة.
هذه “العولمة الفيروسية” الخطيرة لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة ، فالعالم المتفاعل المترابط من الطبيعي أن يمر بجوائح تتخطى الحدود والقارات والمحيطات كالطاعون الأسود في أوروبا وموجات الكوليرا والحصبة ، وفي بداية القرن المنصرم اجتاحت الانفلونزا الاسبانية العالم وانتشرت في كل قاراته .
العولمة ليست أمرًا مستجدا في العصر الحديث فقط، فهي ظاهرة طبيعية وحالة تواصل إجتماعية ومنفعية مستمرة منذ نشوء الخليقة، وتقوم بشكلها المادي على ثلاثة أبعاد هي حركة رأس المال وتبادل البضائع والهجرة البشرية وتتجاوز كل مايعيق حركتها من حواجز بين المجتمعات والدول والقارات ، وبعد ثورة التقنية أصبح لها بعدا رابعا وهو انتقال المعلومة والتي تخطت كل الحواجز الطبيعية واتاحتها بسهولة بين سكان الأرض.
ظهور الشبكة العنكبوتية واستخدامات الانترنت وثورة المعلومات وتطور وسائل الاتصال والحاسب الشخصي المحمول مع بداية التسعينيات من القرن الماضي قربت هي الأخرى العالم – افتراضيا – بعضه إلى بعض فصاحب ظهورها مصطلحات بدعية روج لها السياسيون والاقتصاديون مثل ” العالم قرية واحدة” و “العولمة” واستنفر صناع القرار والمفكرون في مراكز التفكير والتخطيط المهيمنة في نشر ثقافة ” العالم الواحد ” والفرص المتكافئة والاستغلال الأمثل لموارد الكوكب الأزرق.
ولكن وقبل تفشي جائحة الفيروس التاجي الجديد ببضع سنوات ظهرت عوارض شيخوخة مبكرة على وجه العولمة الشابة، عوارض ناتجة عن أسباب تتعلق بمصالح الدول والهيمنة والسيطرة والخشية من فقدان المكتسبات الوطنية. من هذه العوارض الظاهرة “الترامبية” كبناء جدار الفصل عن المكسيك والتنصل من الاتفاقيات التجارية والحد من الهجرة وفرض الرسوم الجمركية ومن عوارض شيخوخة العولمة المبكرة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والحرب التجارية بين الدول العظمى.
ترامب ومن على منبر الأمم المتحدة هاجم العولمة وانتقدها انتقادا شديدا لأن شكلها المتبلور المتطور لا يخدم المصالح الأميركية التجارية لأنه يدرك أنه في فضائها المسطح – مثلا – تتفوق البضاعة الصينية الأقل تكلفة على نظريتها الأميركية والغربية.
قبل أن يدهش ستيف جوب العالم بمُسرِّع مهم للعولمة هو الهاتف الذكي بثلاث سنوات، نشر توماس فريدمان كتابه ” العالم مسطح ” في عام 2004م، وضمنه شواهد كثيرة تبشيرية بالعولمة و كيف كشفت التقنية عن وجه متناغم جديد للعالم يستخدم موارده بعدل ليغنى فيه الفقير ويزداد الغني غني من الصين إلى بنغالور مرورا بفرانكفورت وافريقيا والاميركيتين .
هذا التبشير المتحمس للعولمة تلته بأقل من عقد الزمن إرهاصات بل وإجراءات كبحت من جماح العولمة المتسارع ،ثم جاءت جائحة الفيروس التاجي بمعطياتها وآثارها فاصابتها – كفكرة – بشلل ستعاني منه طويلا وربما سيعيد النظر في فلسفتها جذريا.
بعد الجائحة المؤلمة أيقنا أن العالم ليس مسطحا كما تخليه فريدمان ، بل عالم كروي مدوّر يدور فيه الأقوياء مع مصالحهم وجودا وعدما، وتتغلب فيه المصالح الوطنية والقومية للأقوياء على الصورة الوردية للعولمة التي يحلم بها العالم ، واستدرك الكثير أفراداً وجماعات ودولاً أن البقاء للأقوى وأن التدافع سنة كونية وتنافس و”صدام للحضارات” ينتصر فيه الأذكي والأسرع والأعمق وليس بالضرورة الأكبر والأقوى.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال