الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تسعى الدول نحو تحرير الأنظمة الخاصَّة بالشركات حتى تَرتَقِي بالمعايير الأساسية لجذب رأس المال؛ حيث إنَّ المشروع الاستثماري الفردي يبقى مَحدود الإمكانيات ومُرتَفِعَ المخاطر بالمقارنة مع اجتماع الشركاء على تدوير رأس المال بغرض تحصيل ما ينتج عن الأعمال التجارية من أرباح وتحمُّل ما ينتج عنها من خسائر.
فيجب أن يكون نظام الشركات مَرنِاً بما فيه الكفاية حتى يجذب رؤوس الأموال نحو افتتاح شركاتٍ جديدةٍ، أو المساهمة في شركاتٍ قائمةٍ؛ الأمر الذي يفرض على نظام الشركات رؤيةً بعيدةً كلَّ البعد عن الإجراءات الطويلة الروتينية في تأسيس الشركات، وأن يُكتفى بما هو ضروريٌّ فقط من أجل التعريف بهوية الشركاء، وبنود الشركة، ورأسمالها، وأصولها.
لكن في المقابل، فإنَّ المبالغة في تسهيل إجراءات التأسيس قد يَدفعُ بعض الأشخاص المُحتَالِين إلى استغلال مرونة نظام الشركات بغرض افتتاح شركاتٍ وهميةٍ أو بغرض تجميع أموال عددٍ من الشركاء، ويكون هدف هذه الممارسة: “شركة المساهمة” بشكل خاص كونها الأكثر جَمْعاً للأموال خلال فترة التأسيس، خاصةً إذا كان الاكتتاب عاماً على الجمهور.
حيث يقوم هؤلاء المُحتَالِين ببيع حصصهم أو أسمهم بعد ارتفاع قيمتها السوقية بفعل حملةٍ إعلانيةٍ كبيرةٍ، ثم يَنكَشِفُ ضَعْفَ مركز الشركة المالي، وتنهار قيمتها السوقية؛ الأمر الذي سيُضِيْعُ على باقي الشركاء أموالهم التي دفعوها في الشركة كحصصٍ أو أسهمٍ.
وبغرض مواجهة هذه الحالة، تنصُّ أغلب قوانين الشركات في الدول على تجميد حصص أو أسهم الشركاء المؤسِّسين لفترةٍ من الزمن، بحيث تكون هذه الفترة كفيلةً بظهور حقيقة الشركة وانكشاف مركزها المالي، ثم تَسمَح للمؤسِّسين ببيع حصصهم أو أسهمهم.
بناءً عليه، فقد جاء في نظام الشركات الحالي أنَّه لا يجوز تداول أسهم المؤسِّسين إلا بعد نشر قوائم الشركة المالية عن سنتَيْن ماليَّتَيْن من تاريخ تأسيس الشركة على الأقل (م/107-1 نظام الشركات/1437هـ).
الغرض الأساسي من هذه القاعدة يتمثَّل في التأكُّد من جديَّة المؤسِّسين، حيث تُعتبرُ أسهمهم في حالة تجميدٍ طوال عامَيْن كامِلَيْن، الأمر الذي سيَكشِفُ عن معدن الشركة؛ هل هي لمجرَّد التحايل على الناس أم أنَّها نشأت بنيَّة فعلية للاستثمار؟ فإن كانت بنيَّة التحايل، فهنا سينال المؤسِّسين من الخسارة نفس ما سينال باقي المساهمين، وهكذا يتحمَّل المؤسِّسون مسؤولية الاستثمار مع المساهمين.
ولذلك فلن يَجرؤ أيُّ شخصٍ على تأسيس شركةِ مساهمةٍ وهميةٍ من أجل جمع الأموال من الجمهور ثم الخروج سريعاً من الشركة قبل انكشاف أمرها؛ لأنَّ حصته السهميَّة ستبقى حبيسةً دون أن يحقَّ له بيعها حتى يمرَّ على الشركة عامَيْن ماليَّيْن، وهي مدةٌ كفيلةٌ بظهور حقيقة الشركة.
ولكن مشروع الشركات الجديد جاء دون النص صراحةً على قاعدة تجميد أسهم المؤسِّسين، بل جاء المشروع بقاعدةٍ جديدةٍ، وهي ببساطة قاعدة تمنح هيئة السوق المالية صلاحية فرض قيودٍ على تداول الأسهم لدى إدراجها في السوق (م/106-1 من مشروع نظام الشركات).
بالتالي، أصبحت الهيئة هي الجهة الوحيدة القادرة على فرض تجميد أسهم المؤسِّسين وفقاً لتقديرها، دون أيَّة قاعدةٍ تشريعيةٍ ملزمةٍ ولا أيَّة مدةٍ دنيا يجبُ الالتزامُ بها.
كما أنَّ عمل الهيئة محصورٌ في نطاق الشركات الراغبة بالإدراج في السوق، فماذا عن الشركات التي يتمُّ تأسيسها حديثاً وهي غيرُ قادرةٍ على الإدراج وفق معايير الهيئة؟
يُوجدُ في هذه الحالة قاعدةٌ أخرى، مفادها أنَّ الشركة تستطيع فرض قيودٍ على تداول الأسهم في نظامها الأساس دون أن تكون هذه القيود مطلقةً (م/107-1)، وهي قاعدةٌ موجودةٌ في نظام الشركات الحالي، وقد تمَّ ذكرها أيضاً في مشروع نظام الشركات (م/106-2).
ولكن هذه القاعدة موجودةٌ في الواقع حتى تستطيع الشركة فرضَ حظرٍ على دخول أشخاصٍ بعيدين عن المجتمع الضيِّق للشركاء؛ كأن تكون الشركةُ عائليةً ولا يرغب أفراد العائلة بمشاركة الغرباء، فيضعون قيوداً على تداول الأسهم في نظام الشركة الأساس حتى لا يستطيع أيُّ شريكٍ من أفراد العائلة بيع حصَّته السهمية إلى شخصٍ من خارج العائلة.
أي أنَّ هذه القاعدة متاحةٌ في الواقع لخدمة رغبات المؤسِّسين وليس للتأكُّد من جدية مشروعهم؛ بالتالي، فإنَّ قيود التداول الواردة في النظام الأساس لن تشمل تجميد أسهم المؤسِّسين، ببساطةٍ لأنَّ هذا الموضوع ليس في مصلحتهم، بل يجب النص على التجميد بموجب قاعدةٍ نظاميةٍ مُلزمةٍ.
وبالنتيجة، فإنَّ تجاهل مشروع نظام الشركات لقاعدة حظر تداول أسهم المؤسِّسين في الشركة، قد يؤدِّي إلى انتشار شركات التحايل على جمهور المستثمرين، خاصةً بالنسبة للشركات غير المدرجة في السوق المالية.
يُظهر هذا الأمر ضرورة فرض قاعدةٍ واضحةٍ وصريحةٍ بخصوص تجميد أسهم المؤسِّسين، وعدم جواز تداولها خلال مدةٍ كافيةٍ؛ حيث إنَّ الانسياق وراء تحرير قواعد تأسيس الشركات لن يؤدِّي في هذه الحالة إلى جذب الاستثمار، بقدر ما سيؤدي إلى جذب المُحتَالِين وإلى ضياع أموال المُكتَتِبين والمساهمين الصغار.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال