الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في بداية الألفية وفي محاضرة له عن “التطورات التكنولوجية ودورها في تطور القطاعات الاقتصادية المختلفة انتقد بيل جيتس تباطؤ البنوك في الاستجابة للتطورات التكنولوجية التي غيرت كل مناحي الحياة مقارنة بما لحق بقطاعات الأعمال الأخرى من تطورات هيكلية قائلا 🙁 إن البنوك مثل الديناصورات ، ضخمة وقوية ولكنها بطيئة ) .
والحقيقة أنه ومنذ ظهور البنوك لأول مرة في العالم عام 1472 حين أنشئ بنك ” مونتي دي باش دي سيينا ” في مدينة سيينا الإيطالية، مرت البنوك بمراحل تطور مختلفة ولكنها لم تكن مواكبة بالقدر الكافي لما لحق بالقطاعات الأخرى من تطورات متسارعة وهائلة.
فقد كان التطور الأهم في تاريخ البنوك التجارية عقب عدة قرون وجاء كنتيجة للثورة الصناعية وآثارها ، فبعد أن ظلت البنوك عبارة عن مؤسسات محدودة يمتلكها أفراد أو عدة عائلات ثرية برزت الحاجة لوجود البنوك كوسيط للتعامل وكمقرض للمشترين كنتيجة للثورة الصناعية وازدياد حركة رؤوس الأموال وتوسع نطاق التجارة داخليا وخارجيا مما ساعد على تحول البنوك إلى شركات مساهمة وانتشارها جغرافيا وتوسع أنشطتها وظهور أكثر من فرع للبنك الواحد في عدة مدن بل وعدة دول ، وتوسع مجالات عملها وأنشطتها لتشمل مجالات وخدمات جديدة كالتمويل العقاري وتمويل الشركات وتمويل عمليات التجارة الخارجية وكثير من الأنشطة والخدمات التي تضطلع بها البنوك حتى يومنا هذا .
وبعد مرور سنوات عديدة ظهر تطور آخر في مجل البنوك كان مدفوعا بأزمتين شخصيتين مر بها شخصان (أمريكي وآخر اسكتلندي ) كانتا وراء تطورين هامين في مسار تطور ونمو البنوك على مستوى العالم بأسره ، فالأمريكي هو ” فرانك ماكنمارا ” رجل الأعمال الذي دعا مجموعة من أصدقائه للعشاء وعندما حان وقت دفع الحساب تبين أنه نسي حافظة نقوده بالمنزل وكانت تلك هي الأزمة التي جعلته يفكر لماذا لا توجد بطاقات يستطيع الشخص أن يدفع بها التزاماته في المطعم مثل تلك التي تصدرها شركات البترول لعملائها ويحصلون بواسطتها على البنزين من محطاتها ولا يدفعون قيمتها في الحال وإنما في نهاية الشهر ؟ وبمساعدة عدد من أصدقائه في البنوك الأمريكية نجح ماكنمارا في تحويل فكرته إلى واقع وظهرت أول بطاقة ائتمانية في البنوك الأمريكية عام 1949 (Diner’s Club) تم تطور استخدام هذه البطاقات لتصبح منفصلة عن الجهة التي تصدرها بحيث يجوز استخدامها لشراء احتياجات ومنتجات متنوعة وعلى نطاق جغرافي واسع، كما ظهرت شركات أخرى تقدم نفس وسيلة الدفع مما ساهم في انتشارها وتعدد أنواعها على مستوى العالم ككل .
أما الاسكتلندي ” جون شيفرد بارون ” الذي ذهب للبنك ليسحب أموالا كان في حاجة إليها لكنه وجد البنك قد أغلق أبوابه وهنا تساءل شيفرد لماذا لا توجد آله نستطيع أن نسحب منها أموالنا من البنك بعد مواعيد العمل أو في أثناء العطلات مثلما توجد آلة للحصول على الحلوى في المتاجر ؟
ناقش شيفرد بارون فكرته مع مسئولي بنك باركليز الانجليزي الذين أبدوا تحمسا للفكرة وبعد عامين من البحث والدراسة والتجارب ظهرت أول ماكينة ATM في مدينة أنفليد الانجليزية عام 1967 ، واليوم يكاد لا يوجد فرع لبنك أو مدينة من مدن العالم بدون وجود ماكينة ATM واحدة على الأقل .
ومع ثورة تكنولوجيا الاتصالات التي بدأت في العقد الأخير من القرن الماضي بظهور شبكة المعلومات الدولية ( الانترنت ) وتكنولوجيا الهواتف المحمولة التي مثلت تطورا هائلا وعميقا في العديد من مجالات الحياة وأهمها المجال المالي والنقدي فظهر مصطلح التكنولوجيا المالية Fintech الذي يشير لمحاولة تحسين وتسريع عملية استخدام الخدمات المالية بشكل آلي من خلال منصات التكنولوجيا كالهواتف المحمولة والحاسبات الشخصية والتي تشمل مجموعة واسعة من الأنشطة المالية كالتحويلات المالية ، والحصول على تمويلات شخصية أو تقديم استشارات مالية واستثمارية وخدمات تأمينية وغيرها من الخدمات .
ورغم هذه الثورة التكنولوجية الهائلة التي وسمت كافة مجالات الحياة والأعمال بسماتها إلا أن البنوك ما زالت حتى اليوم تسير بخطى بطيئة نحو ” رقمنة ” خدماتها حتى أن أول بنك رقمي في العالم ظهر فقط في العام 2015 ( بنك مونزو في بريطانيا ) كما أن عدد البنوك الرقمية في العالم لا يتجاوز عدد أصابع اليدين في الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة تدشين أنشطة العديد من شركات التكنولوجيا المالية التي أصبحت منافسا قويا للبنوك من خلال تقديمها للعديد من الخدمات المالية بشكل أسرع وأكثر تطورا ، حتى أن استطلاعا للرأي أجري على عينة من جيل الألفية ( مواليد عام 2000 وما بعده ) في الولايات المتحدة أظهر أن أكثر من 30% منهم يعتقد أنه لن يكون بحاجة إلى بنك في خلال خمس سنوات !
فهل تستمر البنوك في استجابتها “البطيئة” للتطورات التكنولوجية الهائلة التي تغير كل شيء فيما حولنا لتواجه نفس مصير ” الديناصورات ” أم تستجيب لهذه التطورات المتلاحقة والمتسارعة التي تغير كل أوجه الحياة فيما حولنا لتواكب ما لحق بقطاعات الأعمال الأخرى من تطورات ؟
.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال