الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الاقتصاد كان ولا يزال احد أهم العلوم الذي يتداخل ويتكامل مع العلوم الأخرى حتى تغدو معاً في تناغم فكري مُتحد ، والجميل في الاقتصاد أيضا ان هذا العلم يرتبط بحياة الانسان كاملة وبشكل مستمر دون انقطاع فالثانية من عمر الانسان اقتصاد.كما تنطلق أهميته أيضا في جانبي الممارسات العلمية والأنشطة الحياتية حتى اصبح العمود الفقري والقلب النابض في تلك الأنشطة، ومع التطور المتسارع اصبح حضور الاقتصاد يجسد الواقع الجديد حسب مراحل الزمن وتطوراته وعلومه الجديدة.
دخل الاقتصاد في العلوم الحديثة وشكّل المفكرون الاقتصاديون له النظريات والفكر الذي يتوائم مع تلك العلوم. اليوم كشفت جائحة كورونا عن اهمية المرحلة الاقتصادية المستقبلية واستشرافها الجديد المبني على دمج علم الاقتصاد بالمعرفة وربطه بالعلوم الجديدة والخروج من رتابة العلم التقليدي الذي تعلمناه ولايزال عن الاقتصاد، فلم تعد الاسواق والأنشطة الجديدة بحاجة الى العلوم التقليدية بعد إذ احدث العالم طفرة هائلة في تطوير مفاهيم العلوم المختلفة بما فيها ثورة التقنية وربطها بالواقع الجديد. هذا ليس في علم الاقتصاد فحسب بل في معظم العلوم الأخرى، حيث اضحت المهارة والمعرفة والحاجة هي مثلث المهنة في سوق العمل وابعاد النشاط مستقبلاً .. كما أن مواكبة علم الاقتصاد لكافة المتغيرات في مختلف المجالات العلمية يقودنا الى أهمية ربط الأفكار والفروع والمفاهيم العلمية والثقافية الحديثة بعلم الاقتصاد ومن ثم بناء النماذج والفروع التخصصية الاقتصادية الجديدة .
الأنثروبولوجيا الاقتصادية Economic anthropology أحد أهم تلك الفروع التخصصية الجديدة وكما يعرفها جورج دالتون George Dalton بأنها “علم يدرس طبيعة وسمات العلاقات الاجتماعية والتفاعلات الانسانية التي تتمخض عنها وتتوقف عليها عمليات الانتاج والتوزيع” أي انها العلم الذي يربط بين السلوك ( علم الانسان ) وأدوات ( الاقتصاد وانشطته ) وصولاً الى أنسنه الاقتصاد او الاقتصاد الإنساني، فشكلياً تكمن العلاقة في توظيف النظرية الاقتصادية لتحقيق اعلى درجات الاختيار والاشباع وفقاً للسلوك الإنساني ومنطقية اتخاذ قراره وفق الموارد المتاحة والتي هي في ذات الوقت محدودة ونادرة ثم تأتي معطيات هذا السلوك كنتاج للبعد الثقافي والاجتماعي المؤثر في ذلك القرار.
كما أن مفاهيم ودراسات الأنثروبولوجيا تتداخل ايضا مع معطيات وتطبيقات الاقتصاد الكلي كالتبادل التجاري وحركة رؤوس الاموال والاستثمارات والأرباح والاسواق وتحليلاتها المتعلقة بالمجتمعات ونماذجها وثقافتها المختلفة ، من هنا تبرز أهمية الأنثروبولوجيا الاقتصادية لفهم وتحليل القضايا الاقتصادية في بعدها الإنساني الذي يرتكز على المحددات الثقافية في عملية الإنتاج و التوزيع و الاستهلاك.
يحسب لكارل بولانيي Karl Polanyi (1964-1886) وهو من أكبر المؤرخين الاقتصاديين في القرن العشرين انه أبا الأنثروبولوجيا الاقتصادية ومؤسس هذه المدرسة كفرع معرفي قائم بذاته وفسر ذلك في كتابه الذي نشره عام 1944 بعنوان التحوّل الكبير حيث ضمّنه تطورات السوق الحرة وردة فعل المجتمع وآفاق أهمية الأسواق وحريتها في القرن التاسع عشر والتغيّرات الاقتصادية والاجتماعية التي جذبها التحوّل الكبير بعد الثورة الصناعية .
من هنا فإنه يمكن أيضا من خلال الأنثروبولوجيا الاقتصادية الوصول الى تحقيق المعدلات المطلوبة من الرفاه الاقتصادي بالتوظيف الأمثل للمقدرات والموارد وصيانتها والحفاظ عليها وفق اطار التنمية المستدام ، كما انه يفسر أيضا دالة الاستهلاك المرتفع وربطها بثقافة وسلوك المستهلك والانماط الاستهلاكية وعلاقتها بالادخار والاستثمار لدى الافراد .
مجمل القول : علم الاقتصاد لا يجب ان يكون علماً خاملاً يُعيد استنساخ ذاته مما مضى فحسب .. بل أن به من المرونة ما يجعله يتطور بتطور الحياة الاقتصادية وسيُنْتِج مواكبةً لذلك فروع ومفاهيم جديدة تُبنى على أساس معرفي جديد وبالرغم من التباينات الفكرية التطبيقية في الأنثروبولوجيا الاقتصادية الا انه موضوع جدير بالنقاش والطرح خاصة اذا ما كان سيقدم حلولاً هادفةً وفي ذات الوقت الأنثروبولوجيا الاقتصادية كفكر جديد من الأهمية بمكان أن يحظى بالعمل الاكاديمي والبحثي والذي سيوصلنا الى التنوع الفكري في التأسيس له كتخصص اكاديمي وكقيمة مضافة في الاطروحات العلمية والتأليف والتدريس والاثراء المعرفي مروراً بالعديد من العلوم والأنشطة الجديدة .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال