الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يتبادر إلى أذهاننا مباشرة عند سماع كلمة التنظيم أنه عمل حكومي بحت و يُفسر في كثير من الأحيان أنه دور تقوم به السلطة التشريعية وحدها في الدولة، وهذا صحيح جزئيًا فسن الأنظمة واللوائح أحد الأدوار الأساسية للحكومات ومن خلاله يمكن معرفة حدود سيادة الدول، ومع ذلك سنستعرض في هذه المقالة إمكانية أن يقوم القطاع الخاص بهذا الدور، و ما تعريفه؟ ومن يقوم به؟ سنغوص في العديد من التفاصيل الممتعة للقارئ/ة بإذن الله.
بعد البحث و الاطلاع على مجموعة من المقالات والدراسات و إجابةً على السؤال المطروح هل من الممكن أن يشرع القطاع الخاص لنفسه تنظيمات معينة؟ بكل تأكيد نعم سواءً في القطاعات التي أصدرت فيها السلطة التشريعية مجموعة من الأنظمة و القوانين و اللوائح أو فيه القطاعات التي لا يوجد فيها أيًا من ذلك، و تعرّف الاتفاقية الأوروبية المسماة بـ الاتفاق المؤسسي أو –INTERINSTITUTIONAL AGREEMENTS التنظيم الذاتي أو – SELF REGULATION – : إمكانية مشغلي الاقتصاد، والشركاء في المجتمع، والمنظمات الغير حكومية، والجمعيات من تبني واعتماد مبادئ توجيهية مشتركة على المستوى الأوروبي. ويتضح لنا من التعريف أن نطاق التنظيم الذاتي يشمل القطاع الثالث أو الغير ربحي أيضًا لكننا سنركز حديثنا عن القطاع الخاص. و جدير بالذكر أن التنظيم الذاتي أحد أدوات القانون الناعم أو-SOFT LAW- وهو القانون الذي لا يتمتع بأي قوة ملزمة لتنفيذه.
وهناك العديد من الأسباب الداعية إلى وجود التنظيم الذاتي على سبيل المثال أحدثية المجال كمجال التقني، أو سرعة تطوره وتغيره، أو انحصار القيام به على فئة قليلة، أو أن أثره الاقتصادي بسيط أو معدم، كل هذه الأسباب قد تؤدي إلى إما عدم اهتمام من قبل المشرّع أو صعوبة في استيعاب جميع التغييرات في المجال نظرًا لسرعة حدوثها، أو حتى تعمّد ترك تنظيم مجال معين بحجة معرفة أبعاده أولًا.
وعلى أثر ذلك فمثلًا تلتزم بعض الشركات في معايير الآيزو الإضافية – بالطبع غير تلك المعايير الملزمة أساسًا -، أو قيام بعض شركات التبغ بفرض تقييد أعلى على النكهات لكي لا تجذب القصر، بل حتى في القطاعات التي تكون غالبًا منظمة من قبل السلطة التشريعية كما ذكرنا سابقًا حيث أعلنت شركة ولمارت الأمريكية في عام ٢٠١٩ بالتزام الحد من مبيعات الذخيرة، أو مثلًا التزام تجارة القهوة العادلة، و التزام كل من قوقل و فيسبوك بحظر إعلانات العملات المشفرة، وغيرها من الالتزامات التي تفرضها الشركات على نفسها بدون أي الزام من السلطة التشريعية، بغض النظر عن أهداف هذا الالتزام كاكتساب ثقة المستهلك أو العميل أو حتى المساهمة المجتمعية أو المحافظة على البيئة أو استدامة مواردها، فجميع هذه الأهداف نستطيع اعتبارها من إيجابيات التنظيم الذاتي بالإضافة إلى الموائمة المسبقة مع الأنظمة واللوائح التي قد تصدرها السلطة التشريعية لاحقًا، أيضًا إمكانية التخلي عن هذا الالتزام في أي وقت نظرًا لطبيعة مصدر الالتزام. وعلى نقيض ذلك فهناك مجموعة من السلبيات منها التكلفة المالية للتنظيم الذاتي، وعبء الإجراءات اللاحقة له كالرقابة و الامتثال والتنفيذ، واحتمال صدور أنظمة و قوانين لاحقة تحمل أحكام مغايرة أو تتناقض مع ما تم الالتزام به، كما أن هناك قلق من قبل السلطة التشريعية حيال التنظيم الذاتي حيث قد يؤدي إلى الاحتكار و إخراج الشركات الصغيرة والمتوسطة و ذلك لأنها لن تستطيع أن تلزم نفسها بأحكام كما هو الحال مع الشركات الكبرى.
كما أن هناك العديد من المسميات الأخرى التي قد تتشابه مع التنظيم الذاتي وهي تنظيم الصناعة الذاتي أو
–ISR – و التنظيم المشترك أو co -regulation، وتكمن نقطة التشابه فيما بينها جميعًا أن مصدرها لا يكون من السلطة التشريعية، ففي التنظيم الذاتي و تنظيم الصناعة الذاتي يكون من شركة واحدة أو حتى مجموعة من الشركات أو من جمعية أو هيئة غير حكومية، أما عن التنظيم المشترك فأنه يأخذ بعين الاعتبار المعايير المحددة للتشريع في الدولة كما نص تعريفه في معاهدة الجماعة الأوروبية أو EC Treaty على ذلك، و تتضمن كل من هذه المسميات تفاصيل مهمة قد نفرد لها مقالة خاصة لاحقًا.
ختامًا مع جميع التغيرات التي نشهدها في جميع القطاعات خاصةً الثورة التقنية، حريٌ بنا بحث مناسبة هذه الأدوات لتطبيقها في المملكة العربية السعودية بالتزامن مع وجود الأنظمة وما يصدره المشرّع خاصةً وأن نظام مجلس الوزراء نص في مادته الثانية والعشرين في فصل الشؤون التنظيمية على ( لكل وزير الحق بأن يقترح مشروع نظام أو لائحة يتعلق بأعمال وزارته. كما يحق لكل عضو من أعضاء مجلس الوزراء أن يقترح ما يرى مصلحة من بحثه في المجلس بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء)، حيث أن اقتراح تطبيق مثل هذه الأدوات التنظيمية له مرجعية واضحة في الأنظمة الأساسية. وغني عن القول بأن آثار تطبيق هذه الأدوات تسرّع عجلة التنمية الاقتصادية و تمثل عامل جذب للمستثمر الأجنبي، ومع ذلك فأنه وبكل تأكيد لا يتصور ترك الأمر برمته للقطاع الخاص و لذلك أوجد الاتحاد الأوروبي إطارًا قانونيًا للتنظيم الذاتي في اتفاقية ” الاتفاق المؤسسي”.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال