الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
انصب أغلب الاهتمام خلال الأشهر القليلة الماضية على متابعة مؤتمرات وزارة الصحة ومحاولة الاستفادة من البيانات المطروحة للتنبؤ بمسارات تطور وانتشار وباء (كوفيد 19). بل قد أن ما حققه انتشار هذا الوباء من لفت أنظار المجتمع لأهمية البيانات والعناية بها يفوق ما حاول العديد من المختصين الإشارة له في العديد من المحاضرات والمؤتمرات.
ومع بداية انحسار الوباء بإذن الله وعودة المواطنين الى ممارسة أنشطتهم المعتادة يبقى السؤال المفتوح هو هل أثرت الجائحة هل سلوكيات المجتمع سواء بالسلب أو الإيجاب؟ وهل هذه الجائحة هي الفرصة الذهبية لتمرير العديد من الإصلاحات التي ترددنا كثيراً في إجراءها؟
يقول ميلتون فريدمان: (وحدها الأزمة –الواقعة أو المنظورة-هي التي تحدث تغييراً فعلياً) يعتبر فريمان عراب مبدأ الصدمة وهو ما يرتكز على مبدأ أن الكوارث والأزمات هي الفرصة الأمثل لإعادة صياغة السياسات وتغيير القناعات لتعرض العقل البشري لحالة تجمد مؤقت جراء قوة الموقف المؤثر. وعلى الرغم من معارضة الكثيرين لمبادئ فريدمان والحكم على تجاربه في العديد من الدول بعدم النجاح، الا أن الفكرة الرئيسية في كون الأزمات هي أفضل الأوقات لتغيير القناعات والسلوكيات تجلت وبشكل واضح خلال ما نعيشه حالياً خلال جائحة كورونا ولا يزال العديد من الكتاب والدارسين يصلون الى حد الجزم بأن عصر ما بعد كرونا ليس كما قبله.
ولعلي أرى في هذه الأزمة فرص جيدة لنا في المملكة متى ما استغلت بشكل احترافي من قبل الجهات ذات العلاقة لتعزيز العديد من الأيدولوجيات ومنها أهمية التحول الرقمي حيث أن هذا المصطلح كان يلقى العديد من المقاومات في زمن ما قبل الأزمة الا أن توفر الإمكانيات والبنية التحتية ساعد بشكل كبير في تسريع التحول تزامناً مع ضعف المقاومة. وفي وقت تحول العالم الى ما يشبه الغابة لتوفير احتياجاته الضرورية لمكافحة الوباء تعززت قناعات أن مصطلحات العولمة وسلاسل الإمداد العالمية لا تعمل الا في أوقات الرخاء وليس لدينا إلا تعزيز دعم الصناعة الوطنية وتطوير مرونة المصنعين المحليين وفرض الحمائية اللازمة للمنتج الوطني لتوفير العديد من المنتجات ذات الأولوية.
(Stay at home economy) أيضاً برز مصطلح اقتصاد العمل المنزلي وهو ما يعتمد على تنفيذ العديد من الأعمال عن بعد وهذا وإن كان يُرى من علامات التسيب لدى بعض المسئولين إلا أن ما حدث خلال الجائحة عكس تصور الكثيرين لهذا الخيار ومدى ملائمته لاقتصاداتنا و للعديد من منافعه ومنها تقليل تكاليف الأعمال، القدرة على استقطاب الكفاءات من مناطق المملكة، تقليص تكاليف المباني والمكاتب، تقليل الازدحام والتلوث واستهلاك الطاقة وغيرها.
ختاماً ومع وجود فريقين من المتشائمين والمتفائلين بمخرجات هذه الأزمة أختم باقتباس عن ديكنز في (قصة مدينتين) والذي أراه وصف للحالة الراهنة بقوله (كان أحسن الأزمان، وكان أسوأ الأزمان. كان عصر الحكمة، وكان عصر الحماقة. كان عهد الإيمان، وكان عهد الجحود. كان زمن النور، وكان زمن الظلمة. كان ربيع الأمل، وكان شتاء الظلمة. كان أمامنا كل شيء ولم يكن أمامنا شيء….).
في رعاية الله…
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال