الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
منذ أن إبتكر كابلن و نورتن بطاقة القياس المتوازن في التسعينات, تهافتت شركات و مؤسسات كثيرة في مختلف الدول و القطاعات لتطبيقها. حالما دخلت بطاقة القياس المتوازن في حيز التنفيذ حتى تباينت الآراء. حيث هناك شركات مثل أبل و سيتي بنك ترى إن بطاقة القياس المتوازن من أفضل الأدوات التي ساعدت الشركة على الإدارة الإستراتيجية بإحترافية عالية بينما طفحت أراء شركات أخرى متذمره و مشككة في فعالية البطاقة في إدارة الخطة الإستراتيجية. الاستبيانات الدولية تؤكد نجاح بطاقة القياس المتوازن في الشركات الصغيرة والشركات الكبيرة على حد سواء. 75% من الشركات الأجنبية التي طبقت بطاقة القياس المتوازن تمتدح دور البطاقة في تطوير العمل و اتخاذ قرارات إستراتيجية صحيحة بينما شركات كثيرة في الوطن العربي ترى دور ثانوي لبطاقة القياس المتوازن في العمل. إذن، ما هو السر وراء نجاح البطاقة الباهر في شركات و فشل تطبيقها المدوي في شركات أخرى.
بطاقة القياس المتوازن تستند لمنهجية تؤمن إن الإستراتيجية قائمة ومتحركة على أربع إطارات إستراتيجية هم الإطار المالي و الإطار التسويقي و الإطار التشغيلي و الإطار البشري. و أن كل إطار يحتوي على مجموعة أهداف و أن كل هدف له مقياس رقمي و غاية عددية. مقاييس الأهداف هي من أصعب العناصر في نظام بطاقة القياس المتوازن ويمكن أن تكلف الشركة الكثير من الأموال إذا كان مصمم الإستراتيجية و البطاقة غير خبير بالبنية التحتية لانظمة المعلومات في الشركة و طُرق تدفق المعلومات من مواقع العمل و تعقيدات تحديث المعلومات. فالمباينة بين الشركة الناجحة و الشركة المُتعرقلة في تطبيق بطاقة القياس المتوازن هي منهجية الاختيار لأهداف الإستراتيجية و مقاييسهم. فقد يتم أختيار أهداف ذات صعوبات مرادفة لتصميم أو إبتكار مقياس رقمي للهدف. فالمقياس الهدفي قد يستلزم تغيير جزئي أو كلي لمنظومة العمل لتأمين تدفق المعلومات التي يتطلبها المقياس و الإختيار السيء للمقاييس قد يؤدي لفصل تفكير قيادات الشركة عن الواقع. حيث سوء الإختيار للأهداف و المقاييس يجر قيادات الشركة للتفكير بأرقام البطاقة التي تسير في وادي بينما واقع العمل يسير في وادي أخر. أيضا, اختيار الأهداف الصعبة في توقيتها الغير مناسب يجر القيادات للإحباط حيث أن مثل هذه الأهداف لا يُرى تأثير في مقاييسها الرقمية إلا بعد عمل طويل المدى. و أختيار أهداف غير إستراتيجية في البطاقة يجر تفكير قيادات الشركة للوهم حيث الإنخفاض أو العلو في مقاييس الأهداف الغير إستراتيجية لا يعكس صورة واقعية لتقدم أو تأخر الشركة في نموها أو تطورها أو أدائها.
المشاكل أنفة الذكر من الممكن تفاديها من خلال الهندسة الإستراتيجية. تصميم بطاقة القياس المتوازن يتطلب مهندس إستراتيجي متخصص أشبه بالمهندس المعماري المتخصص في تصميم المنازل. صاحب الشركة يعرض تصوره المبدئي عن الإستراتيجية على المهندس الإستراتيجي المتخصص الذي يحولها لتصميم متكامل في خرائط تفصيلية, ثم يشرف على تنفيذ التصميم لضمان بناء البطاقة كما تم رسمه في خريطة الطريق. الهندسة الإستراتيجية ليست فقط تقسم الإستراتيجية لإطارات أربع يكون فيهم أهداف بمقياس رقمي. الهندسة الإستراتيجية تستند على وجود أفكار إستراتيجية أساسية متعلقة بأداء و تطور و نمو الشركة. الفكرة الإستراتيجية الواحدة تضم الإطارات الأربع تحت كنفها. على سبيل المثال, تأسيس فرع جديد للشركة يعتبر فكرة إستراتيجية وأن كل قسم في الشركة عبارة عن فكرة إستراتيجية و أن توسعة أو تنوع خطوط الإنتاج في الشركة يعتبر فكرة إستراتيجية. الفكرة الإستراتيجية تكون ذات أربع إطارات و كل إطار يشمل أغراض إستراتيجية يتم إختيارها من قاعدة الأغراض الإستراتيجية.
فالهندسة الإستراتيجية تمتلك قاعدة أغراض إستراتيجية عامة و التي يختار منها المهندس الإستراتيجي المتخصص الأغراض الملائمة للشركة و أفكارها الإستراتيجية. الإطار المالي يهتم بالأغراض الخاصة بإستخدام الأصول و ترشيد التكاليف و نمو الإيرادات. الإطار التسويقي يهتم بالحصة السوقية و كسب الزبائن وإرضاء الزبائن و استفتاء العملاء. الإطار التشغيلي يهتم بالأغراض الخاصة بالإنتاج الأمثل و الإمتياز التشغيلي و المنتج المميز. الإطار البشري يهتم بالإغراض الخاصة بالثروة البشرية و الثروة المعلوماتية و الثروة التنظيمية. الأغراض المذكورة هي الأغراض الأساسية التي يجب أن تتواجد في كل إستراتيجية لكل شركة.
قاعدة الأغراض الإستراتيجية العامة تندرج تحتها مجموعات متعددة من الأغراض التفصيلية. إلا أن المهندس الإستراتيجي لا يختار الأغراض التفصيلية إلا ما يلائم المرحلة الإستراتيجية. فهناك ثلاث مراحل إستراتيجية في خارطة الطريق هن مرحلة التأسيس و مرحلة التوسع و مرحلة التنمية المستدامة و لكل مرحلة هناك منهج للإطار الاستراتيجي و أغراض تفصيلية. فإذا كانت الشركة في مرحلة التأسيس فإن المهندس الإستراتيجي يختار الترويج كمنهج لإطار التسويقي و يختار حساب الطلبات لقياس قدرة الشركة في كسب الزبائن كغرض تسويقي. أما إذا كانت الشركة في مرحلة التوسع فإن المهندس الإستراتيجي سيقوم بتغيير منهج الإطار التسويقي إلى إجتياح الأسواق و يجعل حساب فرق المبيعات في قنوات البيع هو مقياس لقدرة الشركة في كسب الزبائن كغرض تسويقي.
المهندس الإستراتيجي بعد إختيار مناهج الأطر الإستراتيجية و أغراضها التفصيلية يقوم بإختيار الأهداف الإستراتيجية لكل غرض إستراتيجي. الغرض الواحد قد يحتوي على هدف واحد أو أكثر من هدف و ذلك يعتمد على مدى قدرة مقياس الهدف على الإظهار أو الإشارة أو الإيحاء بتحقيق الهدف و غرضة من خلال الأرقام.
فالمهندس الإستراتيجي لا يختار الأهداف إلا بعد التعرف على توفر المعلومات و نظام تدفقها و أساليب تحديثها و مقدار المجهود لتحصيلها في موقع العمل. يبدأ المهندس الإستراتيجي بإضافة الأهداف ذات المقاييس الجاهزة التي تظهر الأداء بالأرقام بشكل مباشر. ثم يبدأ المهندس الإستراتيجي بإختيار الأهداف التي يمكن قياسها بالمؤشرات التي يمكن تحصيلها من قواعد البيانات المتوفرة في الشركة أو من خلال أطراف خارجية. إلا أن المهندس الإستراتيجي يضع مع المؤشر منهج حسابي للتنبؤ أو الوصف الذي يساعد قيادات الشركة لفهم العلاقة بين أرقام المؤشرات و مستوى الأداء أو الإنجاز للغرض الإستراتيجي المستهدف. أخيرا, المهندس الإستراتيجي يبدأ بتصميم مقاييس للأهداف المتبقية بما يتلاءم مع منظومة العمل القائمة. عادة تكون هذه المقاييس تعطي إيحائات عن إيجابية أو سلبية الأداء أو الإنجاز بدون أرقام دقيقة و هذا النوع من المقاييس يستخدم فقط للمراقبة الإستراتيجية و ليس للتخطيط الإستراتيجي. يقدم المهندس الإستراتيجي توصيات لتغييرات جزئية في منظومة العمل لتمكن قيادات الشركة من إضافة أهداف إستراتيجية مهمة بمقاييس دقيقة و لا يتم إضافة تلك الأهداف إلا بعد النجاح في التغيير المطلوب و جهوزية المقياس.
الاستبيانات الدولية تذكر أن 60% من الشركات التي نجحت بتطبيق بطاقة القياس المتوازن قد نجحت بفضل التحديث السنوي للبطاقة من ناحية منهج الإطار و الأغراض التفصيلية و إضافة الأهداف بالمقاييس الجديدة. الإستراتيجية و بطاقة القياس المتوازن ليس بمشروع جامد أو تصميم لمرة واحدة فقط . بطاقة القياس الناجحة هي التي تبدأ بسيطة ثم يتم تطويرها بشكل متناغم مع تطوير نظام العمل و تطوير أسلوب التخطيط و صنع القرار في الشركة. البطاقة تبدأ بالمقاييس المتاحة من قواعد بيانات الشركة ثم تبدأ بتصميم المقاييس تدريجيا مع تطوير أنظمة تحصيل و تدفق المعلومات في الشركة. بطاقة القياس الناجحة تبدأ بفكرة إستراتيجية عامة للشركة ثم تقوم بوضع أفكار إستراتيجية و بطاقات قياس متتابعة لكل فرع و لكل قسم و لكل خط إنتاج في الشركة. بطاقة القياس المتوازن تتبدل بتبدل المرحلة الإستراتيجية للشركة. فالبطاقة المستخدمة في مرحلة التأسيس قد تكون مغايرة تماما لما ستستخدم في مرحلة التوسعة و لما ستستخدم في مرحلة التنمية المستدامة.
أيضا البطاقة القياس المستخدمة لما قبل الأزمة في الشركة مختلفة عن البطاقة المستخدمة لما بعد الأزمة. فكما بينت مؤتمرات المتخصصة بإدارة الأزمات , بطاقة القياس المتوازن يجب أن تكون أداة تنبؤ و وقاية من الأزمات المختلفة المحيطة بالشركة و إذا لم تكن كذلك فهذا يعني وجود ثغرات في البطاقة بحاجة لإصلاح.
الخاتمة
البطاقة قياس المتوازن هي أداة ناجحة في التخطيط و الرقابة الإستراتيجية لإدارة الشركة . بطاقة القياس المتوازن لا تفشل بل تواجه عراقيل تمنع تطبيقها الناجح. بطاقة القياس المتوازن غير ثابتة بل متحركة في تصميمها و بحاجة لتحديث و ترميم و صيانة دورية ممنهجة. الهندسة الإستراتيجية التي تم عرض مقدمتها في هذا المقال هي الوسيلة التي تضمن تطبيق بطاقة القياس المتوازن بشكله الصحيح و العملي في الشركات.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال