الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
عالم الأعمال لا يرحم، تتصارع فيه رؤوس الأموال بشكل مُستَعِر للمنافسة على السيولة المطروحة في السوق.
في هذا الواقع، نرى النشاط التجاري في قِمَّة حركته، حيث تسعى إدارة الشركة إلى تحريك رأس المال من سيولة إلى بضاعة إلى سيولة بعد البيع، وهكذا يدور رأس مال الشركة الذي يُطلَق عليه: “دورة رأس المال”.
فنجد الشركات المنتمية لقطاعٍ اقتصاديٍّ واحدٍ مثل الغذائيات أو المنظفات وخلافه في حالة من الحركة الدائمة للتسويق وبيع منتجاتها.
بالتالي، فإنَّ الشركة التجارية مهما كان رأس مالها كبيراً، فهذا لا يدل بالضرورة على قوة مركزها المالي؛ لأنَّ رأس المال هذا يدور في حركةٍ تجاريةٍ تقبل الربح أو الخسارة، أي أنَّ المخاطر المالية تُحيطُ بهذا المال.
بناءً عليه، لنا أن نتساءل: إذا عرفنا أنَّ مجتمع التجارة أشبه بمعركةٍ ماليةٍ بين الشركات المُتَنَافِسَة، فكيف يمكن أن تُواجِهَ الشركة الصدمات الناتجة عن المخاطر المالية لدى اشتداد المنافسة؟
في الحقيقة، قد تجد الشركة مخازنها مملوءةً بالبضائع، في الوقت الذي توقَّف طلب المستهلكين على هذه البضائع، وبالنتيجة قد تنخفض أسعارها أيضاً، فماذا يعنيه هذا؟
هنا الشركة تتراجع في قيمة رأسمالها الدائر، أي أنَّ مركزها المالي سيتراجع بالتأكيد، وقد تصل تلك الأخبار إلى السوق المالية، ثم نجد سعر سهم الشركة ينخفض على مؤشِّر البورصة بعد أن أصبح باللون الأحمر.
مثل هذا الأمر يعني أنَّ القيمة السوقية للشركة تتراجع، وهذا نتيجة التأثير السلبي لكساد نشاط التجارة الذي تمارسه الشركة.
ولذلك تنصُّ أنظمة الشركات عادة على إلزام الشركات بالاحتفاظ باحتياطي نظامي، فإذا انقلبت ظروف السوق سلباً على رأس مال الشركة، فبإمكانها الرجوع لهذا الاحتياطي وتسيير أمورها حتى تَمُرَّ هذه الظروف، ولهذا نرى الكثير من الشركات ما تزال واقفةً على قدميها رغم أزمة كورونا الطاحنة، فنجدها ما تزال تفتح أبوابها وتدفع رواتب موظفيها وتُسوِّق لأعمالها.
لكن في المقابل، فإنَّ الاحتياطي الإلزامي في الشركة يمكن اعتباره سيولةً جامدةً مُعطَّلةً لا تُساهمُ في نشاط الشركة ولا تَخدمُ طموحها، حيث يَقتصرُ دور هذا الاحتياطي على توفير الأمان المالي للشركة فيما إذا مرَّت بها ظروف سلبية.
ومن هذا المنطلق، نجد الكثير من مجالس إدارة الشركات تسعى جاهدةً إلى الحصول على أموالٍ جديدةٍ لتوسيع أعمال الشركة، ومن الممكن أن يصل الأمر إلى إصدار أسهم جديدة، في الوقت الذي ينظر فيه المجلس بحسرةٍ إلى المبالغ المكدَّسة كاحتياطي إلزامي على الشركة لا يجوز لهذا المجلس أن يمسَّه.
بناءً عليه، فإنَّ الاحتياطي الإلزامي هو سلاحٌ ذو حدَّين للشركة، فهو إمَّا أن يُجنُّبها غدر السوق، أو أن يُعرقِلَ نشاطها ويَتسبَّب في محدودية مشاريعها وأرباحها.
فما هو الموقف الأنسب لنظام الشركات الجديد؟
الواقع، هو أنَّ نظام الشركات القديم النافذ قد ألزم الشركة بتوفير احتياطيٍّ إلزاميٍّ عبر الاحتفاظ بما نسبته 10% من الأرباح الصافية السنوية للشركة (م/129-1).
على الرغم من الدور الجوهري الذي لعبه هذا الاحتياطي في حفظ الشركات من الإفلاس خلال أزمة كورونا، إلاَّ أنَّ مشروع نظام الشركات الجديد قد ألغى فكرة الاحتياطي الإلزامي هذا من الجذور.
وفي نفس الوقت، فإنَّ مشروع نظام الشركات الجديد قد أتاح وجود احتياطيٍّ اختياريٍّ للشركة، بحيث يتكوَّن هذا الاحتياطي من الأرباح الصافية (م/128-1 من المشروع).
في الواقع، لا يبدو أنَّ حال هذه الإشكالية يكمن في تبنِّي أحد الموقِفَيْن إمَّا فرض احتياطي إلزامي بنسبةٍ سنويةٍ كبيرةٍ من الأرباح يُكبِّل أعمال الشركة، أو إلغاء هذا الاحتياطي وفتح الباب على مصراعيه للمخاطر المالية حتى تَعصِفَ بمركز الشركة المالي.
حيث إنَّ نظام الشركات الجديد يجب أن يسعى إلى ترك إدارة الشركة حتى تتنفَّس مالياً أكثر من السابق، وفي نفس الوقت يجب ضمان حدٍّ أدنى من المتانة في مركز الشركة في حال قيام الأزمات المالية.
بناءً عليه، كان من الأفضل أن ينصَّ مشروع النظام الجديد على فرض احتياطيٍّ إلزاميٍّ على الشركة، لكن مع تحديد نسبةٍ دنيا أقلَّ من النظام السابق، مُمكن أن تكون من 3% إلى 5% من الأرباح السنوية الصافية، وهكذا سيكون لزاماً على الشركة توفير هذه النسبة البسيطة لأوقات الأزمات، كما يكون من حقِّ الشركة رفع هذه النسبة في أوقات المخاطر المالية كالتي تعصف بالعالم حالياً بفعل جائحة كورونا.
كما يمكن وضع تصنيفاتٍ من وزارة التجارة بالتعاون مع هيئة السوق بغرض تحديد الأنشطة الاقتصادية وفق درجة المخاطر التي تتمتَّع بها، بحسب الظروف المالية العامة في أسواق المال، ثم فرض الحدود الدنيا للاحتياطيات الإلزامية بشكلٍ مُخصَّصٍ لكلِّ نوعٍ من أنواع الشركات بناءً على نشاطها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال