الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
مقدمة
يتفق الجميع إلى وصول الطلب على النفط باستخداماته الحالية ذروته يوما ما، ولكن ما هي المسوغات ومتى؟
يقدم تقرير شركة النفط البريطانية الأخير حول تحول مزيج الطاقة العالمي تحت تأثير السياسات البيئة مشهدا قاتما لمستقبل النفط في عام 2050 عند بقاء نموذج استخدامه على ما هو عليه، وتزامن تطور تكنولوجيات الألواح الشمسية وتوربينات الهواء والبطاريات الكهربائية. يؤكد التقرير على وصول النفط لذروته خلال العقد الحالي، كنتيجة لتنفيذ سياسات التغير المناخي بشكل حازم. لا يطمح واضعو التقرير تقديم رؤية واقعية، ولكنهم يقدمون “رؤية مثالية” لما يطمح المهتمون بشئون البيئة للوصول اليه.
الهدف من هذه المقالة هو عرض التقرير، ومناقشة المعطيات والفرضيات التي أدت للوصول الى النتائج. واستخلاص الدروس المستفادة.
ما هو مفهوم ذروة الطلب على النفط
المقصود من ذروة الطلب على النفط هو الوصول نمو استهلاك النفط علميا لنقطة اللا نمو أو النمو السالب. قد يصل الطلب على النفط الى هذه النقطة لعدة أسباب. أولا، وصول الطاقة البديلة للتكلفة التعادلية وقدتها على الاستيلاء على حصة النفط وقد يكون الوصول اليها اما بالابتكار التكنولوجي أو عن طريق سن تشريعات تفرض ضرائب على استهلاك النفط أو الدعم المباشر للتكنولوجيات البديلة بدعوى استيعاب التأثير السلبي لاستخدام الوقود الهيدروكربوني على البيئة. ثانيا، أن تتطور تكنولوجيات كفاءة استهلاك النفط في قطاع المواصلات بحيث تحدث خرقا كبيرا في تقليل استخدام الوقود لكل وحدة مسافة. ثالثا، أن يتباطأ نمو الاقتصاد العالمي ونمو الطبقة المتوسطة العالمية بشكل دائم مما يترتب ان يكون نمو استهلاك الطاقة سلبيا. وأخير، أن يتغير نمط استخدام وسائل المواصلات عالميا بشكل جذري، بحيث يتخلى جزء كبير من الطبقة المتوسطة العالمية عن امتلاك السيارات الشخصية وتعويض ذلك باستخدام وسائل النقل العام أو مشاركة في استخدام السيارة لأكثر من مستخدم.
ما هي نتائج التقرير ومسوغاته
يبحث التقرير في ثلاثة سيناريوهات لتحول مزيج الطاقة العالمي بشكل عام من مزيج مسبب لانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بمستوى ما الى مستوى اقل (بقاء الأمر على حاله)، أو حيادي الكربون أو الى الانتقال السريع بحيث يؤدي الى انعدام الانبعاثات تحت تأثير سياسات التغير المناخي في عام 2050. يفترض التقرير أن يكون النمو الاقتصادي العالمي 2.5%، والا يتغير نمط استخدام وسائل المواصلات عالميا بشكل جذري، بينما يرى أن تتحسن كفاءة استهلاك النفط في قطاع المواصلات بشكل فاعل ولكن ليس بشكل جذري، بينما سيكون الحافز الرئيسي للتغيير هو ضرائب استهلاك الوقود الهيدروكربوني المسبب للانبعاثات ووصول بدائل النفط بكهربة قطاع المواصلات إلى التكلفة التعادلية. ففي سيناريو بقال الحال، يفترض فرض ضرائب بمعدل 65$-35$/طن من ثاني أكسيد الكربون، بينما سيفرض ما معدله 175$/طن من ثاني أكسيد الكربون على الدول الصاعدة، و250$$/طن من ثاني أكسيد الكربون في كل من السيناريو الحيادي والانتقال السريع. في قطاع المواصلات، يفترض التقرير فرض سياسات للحد من تلوث الهواء في السيناريوهات الثلاثة، كم يفترض سن تشريعات مقيدة لاستهلاك والتخلص من البلاستيك.
في السيناريو (حيادي الكربون والانتقال السريع)، يرى التقرير حتمية إعادة تشكل بنيوي لقطاع الطاقة العالمي بحتمية أن تكون جل القطاعات التي تعتمد على الطاقة حيادية الكربون. يشدد التقرير على تنوع أكبر لمزيج الطاقة العالمي، وامتلاك المستهلك خيارات أكثر، وتعزيز الأمان الوطني للطاقة بزيادة محلية الأسواق، وكذلك زيادة مستويي التكامل والمنافسة بين عناصر مزيج الطاقة، مما يعزز تخفض التكلفة. في سيناريو حيادي الكربون، سيكون إعادة تشكل بنيوي لقطاع الطاقة كنتيجة للسياسات الحكومية والتي يفترض ان تغير سلوك استهلاك الوقود الهيدروكربوني لدى الأفراد والشركات نحو الامتناع و استبداله ببدائل الطاقة. بينما سيناريو الانتقال السريع يفترض ان يكون للابتكار التكنولوجي دورا محوريا في تنوع مزيج الطاقة وأن يكون لدى المستهلك الحكمة اللازمة لاتخاذ قرار الاستهلاك بناء على تنوع خيارات استهلاك الوقود الهيدروكربوني وتطر كفاءة استخدامه وتوفر بدائله المتاحة. فلذلك يعتبر اقتصاد الهيدروجين والوقود الحيوي أحد اهم الخيارات المتاحة.
نتائج السيناريوهات الثلاثة
لا بد من التوضيح بان واضع التقرير يرى ان الهدف منه ليست تنبؤات لما يحتمل أن يحدث فالسيناريوهات تساعد في توضيح نطاق النتائج المحتملة ولا تقدم وصفا شاملا لجميع النتائج المحتملة. في سيناريو الانتقال السريع، تنخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من استخدام الطاقة بنحو 70٪ بحلول عام 2050 بانخفاض الانبعاثات عام 2100 بأكثر من درجتين مئويتين وينمو استهلاك الطاقة السنوي بنسبة 0.3%. أما في سيناريو حيادي الكربون تنخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من استخدام الطاقة بنحو 95٪ بحلول عام 2050 بانخفاض الانبعاثات عام 2100 بأكثر من 1.5 درجة مئوية وينمو استهلاك الطاقة السنوي أيضا بنسبة 0.3%. بينما سيناريو بقاء الحال فستنخفض الانبعاثات بنسبة 10% فقط بمستوى 2018. بينما يزيد استهلاك الطاقة بنسبة 10% في السيناريو (حيادي الكربون والانتقال السريع)، و25% في سيناريو بقاء الحال وينمو استهلاك الطاقة السنوي بنسبة 0.7%.
أما فيما يتعلق بالنفط، فيقسم التقرير بين استخدام النفط كمصدر للطاقة، وكذلك استخداماته الأخرى، ولكن كل السيناريوهات تتفق على أن ذروة الطلب على النفط ستكون في هذا العقد. أيضا، يرى التقرير ان جائحة كورونا قد تكون أحدثت تغيرا “ربما دائم” في سلوك استهلاك النفط في قطاع المواصلات لجهة العمل عن بعد، بالإضافة إلى أن التحفيز الأخضر والذي يهدف الى ترقية استخدام تكنولوجيات الألواح الشمسية وتوربينات الهواء والبطاريات الكهربائية والذي سيبدأ تنفيذه بعد التخلص من الجائحة ويهدف لتحفيز الاقتصاديات. وبالتالي سيساهم كلا العاملين فيي تعجيل ذروة الطلب على النفط.
ففي قطاع المواصلات، سينخفض استهلاك الوقود الهيدروكربوني في عام 2050 بنسب 53%، 78%، 21% في سيناريوهات الانتقال السريع، الحياد الكربوني، بقال الحال بالترتيب في عام 2050 بالمقارنة مع عام 2018. أما امتلاك السيارة فسينخفض بنسبة 10% في كلا من سيناريو الانتقال السريع، الحياد الكربوني، وسيزيد بنسبة 10% في سيناريو بقاء الحال بالترتيب في عام 2050 بالمقارنة مع عام 2018. اما في استخدامات النفط الأخرى فسيزيد استهلاك النفط بنسبة 37% في سيناريو بقاء الحال، وبنسبة 15% في سيناريو الانتقال السريع، بينما سنخفض بنسبة 26% في سيناريو الحياد الكربوني بالترتيب في عام 2050 بالمقارنة مع عام 2018. أما مركزه في مزيج الطاقة العالمي فسينخفض في جميع السيناريوهات في عام 2050، ففي سيناريو بقاء الحال سيكون بعد الغاز الطبيعي بنسبة 25%. أما في سيناريو الانتقال السريع فسيحتل المركز الثالث بنسبة 15% خلف الغاز الطبيعي ومصادر الطاقة المتجددة، وسيتقهقر إلى المركز الخامس بنسبة 5% في سيناريو الحياد الكربوني.
قراءة عقلانية لما جاء في التقرير
لا يقدم تقرير شركة النفط البريطانية مسوغات محكمة ومقنعة حول حلول ذروة الطلب على النفط في هذا العقد أو ما بعده. العامل الحاسم لتنفيذ كل السيناريوهات الثلاثة هو قدرة الحكومات على فرض ضريبة “كبيرة جدا” ومبالغ فيها في سيناريوهات الانتقال السريع، الحياد الكربوني، أو قدرة أسواق رخص الانبعاثات الكربونية بسعر الكربون لأسعار بين 35$ الى 250$ لكل طن من غاز ثاني أكسيد الكربون. كلنا ما زال يذكر مظاهرات الياقات الصفراء في فرنسا المناهضة لزيادة بسيطة في ضريبة الكربون في قطاع المواصلات. وكلنا يرى كذلك عن عدم قدرة أسواق رخص الانبعاثات الكربونية الوصول بسعر الكربون فوق 20$ لكل طن من غاز ثاني أكسيد الكربون. لا يجيب التقرير على مدى القبول الشعبي ومدى تأثير الضرائب الباهظة على الاقتصاديات المحلية والاقتصاد العالمي أثناء فترة تحول مزيج الطاقة.
يقوم التقرير بافتراضات حول تكنولوجيات الألواح الشمسية وتوربينات الهواء والبطاريات الكهربائية. أولا، لم تبرهن هذه التكنولوجيات لقيادة التحول، فهي تعتمد بشكل أساسي على معادن حرجة ونادرة بشكل كبير في سلاسل القيمة المضافة لديها. فهل تكفي هذه المعادن للوصول بهذه التكنولوجيات للريادة، فتوافرها المعروف في قشرة الأرض لا يكفي، كما ان معدل استخراجها لن يكون متناسبا مع نمو هذه التكنولوجيات المستهدف، بالإضافة الى عدم جدوى تدويرها في تثبيتها في هذه التكنولوجيات. ومن جانب أخر، لا تستطيع مصادر الطاقة المتجددة المتغيرة اختراق قطاع الكهرباء بشكل كبير دون تطوير تكنولوجيات خزن طاقة ذات جدوى اقتصادية. فهي إذ لا بد وأن يتلازم استخدامها في قطاع الكهرباء ومصادر الوقود الهيدروكربوني. أي ان الانبعاثات ستكون متلازمة مع اختراقها لقطاع الكهرباء. فهل هذا يسوغ استخدام الكهرباء المتلازم مع الانبعاثات في السيارة الكهربائية؟
لم يناقش التقرير مليا تطور الطاقات النظيفة والمستدامة كالهيدروجين أو الاندماج النووي، كما لم يناقش التقرير إمكانية تطوير تكنولوجيات خزن الطاقة، أو تدوير المعادن الحرجة، وهي معطيات حاسمة لوصول تكنولوجيات الألواح الشمسية وتوربينات الهواء والبطاريات الكهربائية لريادة مزيج الطاقة. كما لم يناقش التقرير الافتراضات الرائجة بتضاعف امتلاك السيارات للأفراد في عام 2050 وذلك بنمو الطبقة المتوسطة العالمية.
الدروس المستفادة
على الرغم من عدم واقعية التقرير، فإنه يدق نواقيس الخطر لمستقبل النفط. لا بد من التفكير مليا بنموذج الأعمال الحالي لاستهلاك النفط. في مرحلة التحول، لا بد من تطوير كفاءة محركات الاحتراق الداخلي للسيارات لتتناسب مع الحد الأعلى المسموح لانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون. أما في المدى البعيد، فلا بد من تبني الاقتصاد الدائري للكربون الان لكي يكون جاهزا لفترة التحول وكذلك لفترة الحياد الكربوني. يهدف الاقتصاد الدائري للكربون لكبح انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون باستخدام تكنولوجيات حجز ثاني أكسيد الكربون وتطوير أسواق لاستخدامه كسلعة نافعة بشكل مستدام. أما بالنسبة للنفط، فلا بد من توأمة النفط مع اقتصاد الهيدروجين وتطوير استخراجه المباشر من النفط، وكذلك تطوير استخراج كيميائيات مباشرة من النفط تكون صديقة للبيئة وتكاملهما مع تكنولوجيات حجز ثاني أكسيد الكربون واستغلاله ضمن إطار الاقتصاد الدائري للكربون.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال